صباح يوم تنصيب الرئيس الأميركي السادس والأربعين، جوزيف بايدن، صدرت مجلة التايم «الأميركية»، في عدد تذكاري، يحمل عنوان:«من دون اتحاد لا سلام».
تبدو هذه هي الرسالة التي حملها الرئيس الأميركي المنتخب إلى بلاده وإلى العالم في خطاب تنصيبه، والذي جاء هادئاً كطبيعته الشخصية، ويحمل بصمات رجل سياسة عاش في دهاليز وأروقة أميركا الظاهرة والخفية طويلاً جداً.
عرف بايدن بأن له قدرة هائلة على إحداث توافقات بين الحزبين الكبيرين، «الجمهوري» و«الديمقراطي»، لا سيما وقت اشتداد الأزمات، ونجح كثيراً جداً في التوفيق بين المتعارضين والتوصل إلى حلول وسط، وتجنب العديد من الصراعات.
يتساءل الذين تابعوا خطاب تنصيب بايدن: هل سيقدر لهذا الرجل الأميركي المتقدم في العمر أن يعبر بأميركا إلى عالم الاتحاد مرة جديدة، لا سيما بعد ملامح الشقاق والفراق التي عاشتها البلاد طوال أربع سنوات خلت؟
المهمة في واقع الحال جسيمة، فأميركا تبدو روحها منقسمة في داخلها، والمعسكر المؤيد للرئيس ترامب لا يزال قوياً، وهناك قرابة الخمسة وسبعين مليون نسمة يرون أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد سرقت، وأن ساكن البيت الأبيض لا وجه حق له في مقعده الوثير هناك، ما يعني أن مهمة الرجل صعبة بالفعل.
نهار التنصيب بدت أميركا حقاً مختلفة عن ذي قبل، ومن غير اليسير الحكم على مآلات المشهد الأميركية من الآن، ففي حين كان حفل التنصيب بسيطاً هادئاً إلى حد الخافت، كانت فلوريدا تستقبل الرئيس المنتهية ولايته استقبال الابطال الفاتحين المنتصرين، ما يلفت الانتباه إلى عمق الشرخ الذي حدث في الجدار المجتمعي الأميركي.
لكن على جانب آخر وإحقاقاً للحق، يمكن للمرء القول بأن بعضاً من مشاهد الديمقراطية وتراتبية تسليم السلطة قد أخذت موقعها وموضعها في الصورة بشكل جيد يجعلنا نطمئن ولو إلى حين، فقد بدا في خلفية التنصيب ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين، اثنان من «الديمقراطيين»، بيل كلينتون وباراك اوباما، وواحد «جمهوري» بوش الابن، فيما لم يقدر لحكيم أميركا جيمي كارتر الحضور لظروفه الصحية.
لم يستطع ترامب أن يعدل أو يبدل المسيرة الديمقراطية الأميركية، ولا تغيير نتيجة الانتخابات، وسوف يذكر التاريخ إشكالية عدم سيطرته على غضبه، الامر الذي ربما اختصم كثيراً جداً من رصيده.
أهم بل أخطر اختبار يواجهه الرئيس بايدن في المائة يوم الأولى موصول بأمرين:
أولاً: محاولة استنقاذ الولايات المتحدة الأميركية من خطر جائحة كورونا، وهذه مسألة طارئة بكل الأبعاد، ومن دون الخلاص والفكاك من هذا الزائر الشائه الكريه، لن ينصلح حال الاقتصاد الأميركي والشعوب كما الجيوش تمشي على بطونها.
ثانياً: وضع حد لإشكالية التعاطي مع الرئيس السابق ترامب، وليس أمام بايدن سوى مسارين لا ثالث لهما الأول: المضي قدماً في مطاردة الساحرات ومحاولة ادانة ترامب ومحاكمته، باتهامات تتعلق بما جرى في الكونجرس نهار السادس من يناير الماضي، وتحريضه المتظاهرين على استخدام العنف، وهذا أمر سيؤجج من جديد نيران الكراهية بين التيارات اليمينية خاصة وبين اليسار الأميركية، وسيشعل نيران المد العنصري بين البيض والسود من جديد.
والثاني: التوقف -ولو مؤقتاً- عن تلك الملاحقة والتفرغ لمواجهة الملفات ذات الاحتياج الطارئ في الداخل، ومتابعة شؤون الدولة وتحسين حالة الجماهير الأميركية، وهذه مهمة عاجلة ولا تنتظر إلى الغد.
أميركا بايدن مدعوة من جديد لأن تكون نور الأمم، وليس «نور الأميركيين فقط»، والجميع يأمل في أن يرى حكمة السنين تتجلى في قرارات بايدن في قادم الأيام.
*كاتب مصري