ستقلب الثورة الرقمية الحالية ظروفَ حياتنا بقدر ما ستقلب موازين القوة الدولية، ذلك أننا مقبلون على تحول كبير حجمه غير معروف حتى الآن. فبالنسبة لبعض المراقبين، من المتوقع أن يقضي الذكاء الاصطناعي بشكل جماعي على وظائف موجودة، وأخرى على مستويات مختلفة من المجتمع. فمن سائق سيارة الأجرة إلى المترجم الفوري، ومن الطبيب إلى المحامي، فإن أغلبية المهن قد تغدو مهدَّدة من قبل تطور الذكاء الاصطناعي، سواء تلك التي تتطلب مهارات عالية أم لا. وقد تكون هناك حفنة صغيرة من المحظوظين الذين قد يستفيدون من هذا الوضع الجديد، وعدد كبير من الناس الذين قد يصبحون عاطلين عن العمل، وهو ما من شأنه أن يخلق العالم الأكثر تفاوتاً وافتقاراً للمساواة في التاريخ، غير أن مراقبين آخرين، أكثر تفاؤلاً، يرون أن الذكاء الاصطناعي سيطوّر وسائلَ الإنتاج والسلع الاستهلاكية بطريقة متسارعة وسيؤدي إلى الوفرة؛ ويكفي أن يعرف المرء كيف يستفيد من مزاياه وإيجابياته، ولكن مما لا شك فيه أن هذا ليس بالأمر الهيّن. 
ومن جانب آخر، يرى بعض المراقبين في الذكاء الاصطناعي وسيلةً لجعل كل شخص مستقلاً ومتحكماً في معلوماته، في حين يخشى آخرون أن يتحول إلى وسيلة مراقبة لم تكن لتخطر حتى على بال جورج أورويل عندما كتب روايته الشهيرة «1984» حول ظهور مجتمعات شمولية لا وجود فيها للحياة الخاصة. وهنا أيضاً خياران مختلفان بشكل جذري. 
فعمالقة التكنولوجيا الرقمية تحولوا في غضون بضع سنوات إلى قوى قادرة على منافسة الدول، وهو ما بدأ يثير قلقاً في كل مكان تقريباً خلال الآونة الأخيرة، ذلك أن بعض شركات التكنولوجيا العملاقة باتت لديها قيمة سوقية تفوق الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدول. كما أن عدد مستخدميها يجعلها متقدمةً على العملاقين الديمغرافيين الصيني والهندي. وعلاوة على ذلك، فإنها تسيطر على البيانات، وتُعد قوى عظمى حقيقية. 
بالنسبة لهيرودوت، كانت مصر هدية النيل. فالنهر هو الذي صنع قوّتها وغناها حيث كان يتم التحكم في فيضاناته من خلال نظام من الحواجز والقنوات التي كانت تسمح بالاستفادة منها في زراعة مزدهرة. وبدونه، كانت الفيضانات ستتسبب في كوارث دراماتيكية للسكان، ذلك أن النيل إذا تُرك لحاله، يغدو مخيفاً ومدمّراً؛ أما إذا تم التحكم فيه ونُظّم، فيصبح نعمة وخيرا. 
وبالمثل، سمحت الرأسمالية بتحديث المجتمعات ونمو الثروات. غير أننا إذا تركنا السوق لحالها، سيؤدي السعي المحموم وراء جني أرباح أكثر على المدى القصير إلى تفاوت اجتماعي غير مقبول ومكلّف بالنسبة للتوازنات الاجتماعية، وضار على المدى البعيد بسبب انعدام البنية التحتية. ولهذا، فإن الرأسمالية في حاجة للتقنين والتنظيم حتى تكون ناجحة وفعالة. 
ومن جانبها، سمحت العولمة لمئات الملايين من الأشخاص بالخروج دائرة الفقر والبؤس؛ ولكنها طوّرت أيضاً مظاهر تفاوت اجتماعي قوية تحمل بين ثناياها تهديدات بمحو الهويات المحلية. ولهذا، يجب أن تخضع العولمة للتقنين والتنظيم حتى تكون مقبولة وتستمر. والأمر نفسه ينطبق على الثورة الرقمية وعلى تطور الذكاء الاصطناعي. فمما لا شك فيه أنه يجدر بنا أن نكون ممتنين لعمالقة التكنولوجيا «غافام» (غوغل، وآبل، وفيسبوك، وأمازون، ومايكروسوفت)، وشركات تكنولوجية أخرى لأنها بشكل عام سهّلت حيواتنا اليومية، ومنحتنا إمكانيات لم تكون معروفة، ويسّرت الاتصال والوصول إلى المعرفة والمعلومات، وحسنت الصحة، وأطالت أمد الحياة، وأشياء أخرى كثيرة. غير أنها ينبغي أن تكون «خادمة جيدة وليس سيدة سيئة»، كما يقال. والتقنين والتنظيم أساسيان حتى لا تفضي بنا إلى سيناريو متطرف لمجتمع هو الأكثر تفاوتاً وافتقاراً للمساواة في التاريخ. 
وعليه، ينبغي على الدول والمجتمعات المدنية فرض هذا التنظيم والتقنين. والواقع أن النقاشات حول الثورة القادمة لا ترقى لمستوى الرهانات، ويجدر بالجميع أن يدلو بدلوه في النقاش حول هذا الموضوع. بيد أنه ما زال هناك وقت لوضع التداعيات المستقبلية للثورة الرقمية على مجتمعاتنا وحالة العالم على رأس قائمة انشغالاتنا، وذلك لأن مستقبلنا جميعاً هو الذي تحت المحك.
* مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- باريس