مع تقدم الشتاء واشتداد جائحة «كوفيد-19» على امتداد الشرق الأوسط، يواجه اللاجئون السوريون تهديدات موازية من البرد القارس وتفشي فيروس كورونا والصعوبات الاقتصادية بسبب عمليات الإغلاق واسعة النطاق. وبعد ما يقرب من عقد من الحرب، يعيش أكثر من 5.5 مليون سوري لاجئين في الدول المجاورة، لا سيما تركيا ولبنان والأردن والعراق. وقد واجه هؤلاء اللاجئون تحديات هائلة، بما في ذلك القيود الخانقة على إمكانية العمل قانونياً، بالإضافة إلى القيود السياسية والمالية للحصول على الإقامة القانونية، وقلة فرص التوطين في بلد ثالث. وفي عام 2020، فاقمت الجائحة وعمليات الإغلاق المتقطعة من أزمات الأردن ولبنان الاقتصادية، مما فاقم صعوبة عمل اللاجئين لتغطية مصروفات السكن والاحتياجات الأساسية. 
لكن هل يريد السوريون العودة إلى ديارهم، كما يحث عدد كبير من الحكومات المضيفة على ذلك؟ 
البيانات المستقاة من المسح الذي أجريناه تساعد في تفسير السبب الذي قد يجعل كثيراً من اللاجئين يترددون في العودة إلى الديار. فرغم اعتقاد حكومات كثيرة أن الوضع في سوريا مازال غير آمن، ينظم جناح الاستخبارات في الأمن العام اللبناني رحلات عودة للسوريين منذ أكثر من عام. ولطالما أكدت السلطات اللبنانية على أهمية عودة اللاجئين السوريين ملقيةً باللائمة عليهم في البطالة والتضخم والضغط على الخدمات العام وعمق التوترات الاجتماعية.. في لبنان. 
وفي الشهر الماضي، عقدت سوريا، التي تريد عودة اللاجئين، مؤتمراً مدعوماً من روسيا لمناقشة القضية. وحضر مسؤولون من العراق ولبنان المؤتمرَ رغم مقاطعة قوى غربية وإقليمية عديدة للمؤتمر. وهاجمت الحكومة السورية وحلفاؤها في المؤتمر الغربَ لفرضه عقوبات اقتصادية على دمشق، ولقلة المساعدات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار المقدمة من جانبه، وجادلت بأن هذه السياسات تمنع السوريين من العودة. ورد بعض المحللين بأن المؤتمر غرضه سياسي فيما يبدو أكثر من كونه سعياً لعودة السوريين. وفي الدول المضيفة، مثل لبنان، ما زالت بعض الأحزاب السياسية تضغط على اللاجئين كي يعودوا إلى سوريا. ودأبت هذه الأحزاب على إلقاء مسؤولية مشكلات البلاد الكثيرة على عاتق ما يقدر بنحو مليون لاجئ سوري، في موقف ربما يهدف لتشتيت الانتباه بعيداً عن خلل الحكومة الوظيفي ولتسويغ مطالبات الحصول على مزيد من المساعدات الدولية. 
ويقتضي قانون اللاجئين الدولي أن تكون العودة آمنة وطوعية ومستدامة وتحافظ على الكرامة الإنسانية. فكيف ينظر اللاجئون السوريون أنفسهم إلى العودة؟ لقد ركز، حتى الآن، جانب كبير من المناقشة بشأن العودة على المصالح الجيوسياسية إلى حد كبير، وكثيراً ما افتقر إلى تصور اللاجئين السوريين أنفسهم حول العودة. ولفهم الطريقة التي ينظر بها اللاجئون إلى العودة، أجرينا مسحاً قومياً تمثيلياً بناءً على مقابلات وجهاً لوجه مع أكثر من ثلاث آلاف أسرة لاجئة سورية في لبنان بين أغسطس وأكتوبر 2019. وتكشف الدراسة أن 5% فقط من اللاجئين يريدون العودة في غضون عام، وغالبية اللاجئين يأملون في العودة في مرحلة ما. 
وأردنا أيضاً معرفة العوامل التي تؤثر في قرار العودة. فكثير من الحكومات المضيفة للاجئين حول العالم تقيّد حق اللاجئين في العمل وتضع العراقيل أمام حصولهم على إقامة قانونية والتمتع بالحماية الكاملة وفقاً للقانون. وتستند هذه الإجراءات على افتراض أنه إذا وجد اللاجئون الحياة صعبةً في البلد المضيف، فسيعودون إلى بلدهم على الأرجح. ولاختبار مدى صحة هذه النظرية الضمنية، حللنا بيانات العينة الكبيرة من اللاجئين السوريين الذين شملهم بحثُنا في لبنان. 
وتوصلت دراستنا إلى أن الظروف في سوريا هي أهم العوامل في قرار العودة وليس الظروف في البلد المضيف للاجئين، حيث انصب اهتمام الخاضعين للمسح على سلامتهم وأمنهم في بلدهم الأصلي. ولا تقتصر حسابات السوريين في قرار العودة على التهديد بالاضطهاد الذي قد تمارسه السلطة ضدهم بل يفكرون أيضاً في التجنيد الإجباري، وضيق الظروف الاقتصادية، والافتقار إلى الخدمات العامة. والسوريون الذين تحدّثوا عن صعوبات الحياة في لبنان، مثل الافتقار إلى العمل، وظروف السكن الصعبة، والافتقار إلى المساعدات الإنسانية، ومشكلات التمييز.. لا يميلون لاعتزام العودة قريباً. وخيار استمرار الحياة في المنفى صعب، لكن مازال من الواضح فيما يبدو لمعظم السوريين في لبنان أنهم لا يريدون العودة إلى الديار قبل تحسن الظروف بشكل كبير في سوريا. فقد أخبرتني امرأة من حلب قائلة: «بلادي في حالة حرب، ولذا لا يمكنني العودة. لكن هنا (في لبنان) لا يمكننا العيش». 
وهذه النتائج توحي بأن مساعي دفع اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم ما تزال سابقة لأوانها، ولذلك فهي على الأرجح لن تنجح. وهذه المساعي تتضمن الخطوات التي اتخذها النظام السوري وداعموه في الآونة الأخيرة لاستخدام قضية العودة كورقة ضغط في التفاوض، مع التأكيد على ضرورة إسقاط المانحين الغربيين للعقوبات الاقتصادية وتقديم مساعدات لإعادة إعمار سوريا قبل بدء العودة واسعة النطاق. وقد تساعد خطة إدارة بايدن لزيادة عدد اللاجئين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة سنوياً في تخفيف هذه الضغوط. لكن التوطين المقترح لنحو 125 ألف لاجئ سنوياً لن يكون إلا جزءاً صغيراً من عدد اللاجئيين السوريين الكبير. 
ونتوقع في عام 2021، أن تواصل جماعات اللاجئين والمجتمعات المحلية في الدول المضيفة الاعتماد على المنظمات الإنسانية للمساعدة. والمساعدات النقدية ومشروعات التنمية قد توفر فرص عمل مستدام لكلا الطرفين، وتساعد في تقليص التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة. ويشير مسحنا إلى أن السياسات التي تجعل الحياة صعبةً للاجئين أو تشجعهم على العودة غير الفاعلة، قد تسهم إلى حد كبير في دفع السوريين نحو العودة إلى الديار.

علاء الربابعة
طالب دكتوارة في العلوم السياسية بجامعة ستانفورد 
مارين كاساليس
مديرة في معمل سياسة الهجرة بمعهد التكنولوجيا الاتحادي في زيوريخ
دانيال ماسترسون
أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا وأستاذ في معمل سياسة الهجرة 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»