الاستراتيجية الإعلامية التي أقرها مجلس الوزراء قبل أيام تواكب طموحات الإمارات العالمية، وتعزز من حضور الإعلام الوطني على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذا ما تحتاجه الإمارات في هذه المرحلة التي تسعي خلالها إلى ترسيخ مكانتها على خريطة الدول المتقدمة، باعتبارها تمتلك مقومات «الدولة النموذج»، القادرة على مواصلة مسيرة النمو وتحقيق التفوق والريادة بالمعايير العالمية. 
هذه الاستراتيجية توضح بشكل دقيق السمات التي ينبغي أن يتمتع بها الإعلام الوطني، سواء ما يتعلق بالشفافية والصراحة والجرأة في تناول الموضوعات أو ما يتعلق بالاستباقية في التعامل مع القضايا الرئيسية التي ترتبط بصورة الإمارات في الخارج، وعدم الاكتفاء برد الفعل تجاه هذه القضايا. كما أن هذا الاستراتيجية تؤسس في الوقت ذاته لمرحلة جديدة في مسيرة الإعلام الوطني تعزز من دوره في دعم مختلف المبادرات والسياسات الحكومية، وترسخ من حضوره الفاعل والمؤثر في الرأي العام الدولي، وتسهم في تسليط الضوء على قصة نجاح الإمارات في الخارج، بما تمثله من قيم تعلي من ثقافة الإنجاز والتفوق وتحدي المستحيل والتضامن مع البشر في أوقات المحن والأزمات.
في الوقت ذاته، فإن هذه الاستراتيجية تقدم خريطة طريق لتطوير الإعلام الوطني وآليات تواصله سواء من خلال تعزيز أدوار الاتصال الحكومي في الجهات الاتحادية، وترسيخ مفهوم الشراكة والتعاون، وتكامل الجهود بين مختلف الجهات الإعلامية في الدولة، أو من خلال بناء الشراكات مع المؤسسات الإعلامية العالمية، وإدارة سمعة الدولة وإنجازاتها إعلامياً محلياً ودولياً، فضلاً عن توفير بيئة إعلامية رقمية، تواكب التطورات السريعة وتتفاعل مع كافة التطورات والمستجدات التي يشهدها العالم من حولنا، وهي لا شك تسهم في تطوير أدوات اتصال ذكية تجعل من الإعلام الوطني شريكاً استراتيجياً في ترجمة أهداف الإمارات المستقبلية. 
لقد طرأت تغيرات عدة على دور الإعلام في الآونة الأخيرة، فلم يعد يقتصر على الوظائف التقليدية في بلورة الرأي العام لدى الأفراد والجماعات والشعوب، وتوعية أفراد المجتمع والتعبير عن مشكلاتهم وهمومهم، وإنما أيضاً بات أهم أدوات تنفيذ سياسات الدول وتوضيح مواقفها تجاه مجمل القضايا، والدفاع عنها والحفاظ على هويتها وخصوصياتها الثقافية والاجتماعية والحضارية في ظل ما يشهده العالم اليوم من عولمة ثقافية تعمل على تذويب الهوية الوطنية للدول، وهذا ما تنتبه إليه الاستراتيجية الإعلامية الجديدة لدولة الإمارات، التي تستهدف ضمن أولوياتها الترويج للثقافة والهوية الوطنية عبر مختلف قنوات الاتصال، والعمل على ترسيخ قيم الولاء والانتماء لدى الأجيال الجديدة من أبناء الوطن.
إذا كانت الاستراتيجية الإعلامية الجديدة لدولة الإمارات تتضمن العديد من المبادئ والأهداف الرئيسية، التي تتركز حول كيفية إدارة سمعة الدولة وإنجازاتها وتعزيز قوتها الناعمة ونقل قصة نجاحها إلى الخارج، فإن المسؤولية في تنفيذ هذه الاستراتيجية تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية بأنواعها المختلفة، المرأية والمسموعة والمقروءة، وهذا يتطلب أولاً تعزيز التعاون بين هذه المؤسسات بحيث تكون مخرجاتها منسجمة مع مضمون وأهداف هذه الاستراتيجية حتى يكون الإعلام الوطني بالفعل شريكاً لمختلف المبادرات والاستراتيجيات الحكومية، وداعماً لقصص النجاح والأولويات الوطنية سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي. وثانياً توحيد مضمون الرسالة الإعلامية، وصياغتها بشكل دقيق بحيث تصل إلى متلقيها بكل يسر ووضوح، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار مخاطبة الإعلام الدولي باللغة التي يفهمها، بحيث تكون مباشرة وواضحة، بعيداً عن أي استرسال أو تأويلات. وثالثاً العمل على تعزيز حضور الإعلام الوطني عالمياً، وهذا يتطلب تطوير أدواته الاتصالية والارتقاء بمهارات العاملين فيه من أجل إيصال صوت الإمارات إلى العالم، وتعزيز صورتها في الخارج باعتبارها طرفاً فاعلاً يحظى بالقبول والمصداقية على الصعيدين الإقليمي والدولي. رابعها استثمار الإعجاب المتزايد بنموذج الإمارات في التنمية والتعايش في الاستعانة بعدد من المؤثرين الأجانب من جنسيات مختلفة وفي مجالات عديدة، كالإعلام والثقافة والرياضة والفن والسينما، باعتبارهم يمكن أن يسهموا في الترويج لقصة نجاح الإمارات في الخارج. خامسها الاهتمام بإعلام الأزمات، فليس بخاف على أحد أن مسؤولية الإعلام في مواجهة الأزمات باتت تشكل أولوية متقدمة في دائرة اهتمامات الدول، خاصة في هذه المرحلة التي تعيشها المنطقة والعالم من حولنا، والتي تتسم بالسيولة والضبابية وانتشار الشائعات المغرضة التي تنال من أمن الدول واستقرارها، ولهذا من المهم والضروري أن تقوم وسائل الإعلام الوطنية بدور رئيسي في توعية أفراد المجتمع بمفهوم الشائعات والظروف المرتبطة بنشأتها وتطورها ومخاطرها والآثار الناجمة عنها، كما ينبغي بذل المزيد من الجهود الإعلامية لتوعية أفراد المجتمع بشأن خطر تناقل الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة في أوقات الأزمات. 
إذا كان الإعلام الوطني أثبت مهنيته العالية واحترافيته ومصداقيته في التعبير عن القضايا الوطنية خلال الفترة الماضية، فإنه الآن أمام تحد آخر، وهو مواكبة طموحات الإمارات المستقبلية في رحلتها نحو مزيد من التفوق والتميز والريادة، وهو قادر- بالفعل- بما يمتلكه من خبرات بشرية وإمكانيات فنية أن ينقل الوجه الحضاري للإمارات وقصة نجاحها المبهرة إلى العالم.

*إعلامي وكاتب إماراتي