لعل ما جعل خريطة الطريق تختلط على الساسة في مسرحيات شكسبير أن المتربع على سلطة العرش كان أحد الحضور المبتهجين.. أي الملك نفسه. فتلك العروض بما فيها من أحداث وتطورات تقوم على القتل والاغتيال، تبين أن التخلص من المنافسين السياسيين، الحقيقيين أو المحتملين، هو الطريق الأمثل للوصول إلى السلطة في القرن السادس عشر (1533-1603). كان ذلك العصر في بريطانيا وعددٍ من البلدان الأوروبية هو العصر الذهبي لازدهار وليم شكسبير شاعراً ومسرحياً عالمياً، لتصبح أغلب مسرحياته بمرور الوقت خطةً سياسيةً للحالمين بالسلطة في العالم. لكن، هل سوف يصدق وجهة النظر هذه المعجبون، وغير المعجبين، بمسرحيات شكسبير؟ قد يصعب عليهم تقبّل ذلك أول مرة.
إن صورة التاريخ التي يرسمها شكسبير فرضت نفسها بقوة، لتكون أشبَه بسُلّمٍ فَخمٍ يصعد عليه موكبٌ مُستَمرٌ من الساسة، وكل درجة فيه إلى الأعلى هي مؤشِّر على تحول فجائي، وربما فجائعي أيضاً في بعض الحالات، كما في مسرحية «ماكبث» حيث نسمع أحد قادة اسكتلندا يقول: «تلك درجةٌ إمّا أن أقع عليها أو أقفز فوقها». لكن القائد الاسكتلندي سيكتشف أنه عند الوصول إلى أعلى درجةٍ في السُلّم لا يبقى سوى قفزةٍ واحدةٍ نحو الهاوية. وهكذا فعل جميع الزعماء في المسرحيات الشكسبيرية التاريخية؛ فهم يصعدون على الدرجات ذاتها ويقفزون من آخر درجة. أليس في ذلك شبيه لما نجده في التاريخ المعاصر لبعض الجمهوريات العربية منذ منتصف القرن الماضي وما عرفته من ثورات تضمخت بدماء الصراعات الحزبية والأيديولوجية؛ حيث الكل راغب في السلطة والمال، فيقوم بانقلاب أوّل، ثم تتبعه انقلابات أخرى لا تختلف عن بعضها سوى في الأسماء.. لتبقى أحمال المال تهرّب إلى الخارج لتضمن مستقبلاً مريحاً لرجال العهد الثوري الذين قدِموا هم أيضاً من الخارج نفسه.
واللحن الرئيسي في «سوناتات شكسبير» المسرحيّة هذه المرّة، هو أن المشاهد المعاصر سوف يظل يرى فيها كما في «ماكبث» و«هاملت» تحديداً، صوَراً من التجارب المتجدّدة والصادمة.