«وصار الذي خفنا أن يكون»؛ اغتيل صديقي المفكر والباحث والناشر المرموق لقمان سليم بستّ رصاصات، خمس في رأسه، وواحدة في ظهره، كأنها جريمة موقعة برسائل عدة، سبقتها تهديدات، ونُذر باغتيالات تنتظر لبنان، أسوةً بما حدث عام 2005، عندما ارتُكبت سلسلة عمليات قتل لرموز من «14 آذار». لقمان (الشيعي) يعيش في المنطقة التي يهيمن عليها «حزب الله» (حارة حريك)، وصُفّي في تلك المنطقة. وكلنا نتذكر أن سيلاً من التهديدات له (ولغيره) سبقت هذه العملية. فلقمان سليم تمرد على «بيئته» وانضم إلى الحراك، وكان معارضاً شرساً، ومعلناً للحزب المذكور، وكشف ضلوعه في تفجير المرفأ، وفي «تبييض الأموال» والمتاجرة بالمخدرات، وفي إنشاء خلايا في بعض الدول العربية وأبعد منها. إذن، «إنه عميل»! ألهذه الأسباب والمواقف وحدها حُذف من الوجود؟
يتساءل كثيرون، لماذا تمت العملية هناك «في كانتون الحزب»، وكان يمكن أن تتم (للتضليل) في أي مكان آخر من لبنان؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ رغم أنه معارض معلن، فقد ظل يعيش في قلب المنطقة وكان يمكن النيل منه من قبل أو من بعد. الواقع أن الحزب سبق أن هدد الصحافيين والكتاب بكلمات واضحة. إذا استمروا في قول الكلام غير «المباح». وسبق أن لجأ الحزب إلى القضاء لأن أحدهم تعرّض شخصياً لحسن نصرالله! لكن هذه الأمور لم تكن جديدة: فالحراك سمى الأمين العام باسمه، واعتبره جزءاً من الفساد، وكثير من النشطاء لم يوفّروه. هل لأن المطالبة بسحب الحزب سلاحَه وتسليمَه للدولة تصاعدت؟ لكن حتى هذه الناحية لم تكن جديدة.
بعضهم يذهب أبعد من ذلك إلى الفترة الراهنة التي تمتد من سقوط ترامب وتسلّم بايدن رئاسة أميركا، بما يعنيه ذلك من توجيه رسائل عديدة، قد تمهد للمفاوضات بشأن النووي، والصواريخ البالستية.. وهي متبادلة بين الأطراف المعنية. أيكون لقمان رسالة من هذه الرسائل؟ أيكون «فاتحة» لعودة التصفيات؟ أيكون اغتياله ترجمة للمناخات السياسية الناتجة عن تعذر تأليف الحكومة وللصراعات المندلعة حولها؟ بل أكثر: أتكون أصوات من المعارضة، تجاوزت الخطوط الحمر، بمطالبتها بحياد لبنان، بل أيضاً بتدويل أزمته مقابل التعطيل الذي يعتمده رئيس الجمهورية ومن ورائه الحزب؟ لكن، أتكون الأمور مرتبطة أيضاً بتصدع بيئة الحزب، وجاء الاغتيال لردع آخرين عن «التمرد» والخروج عن طوعه؟
كل هذه الأسئلة قد طرحها الناس سراً وعلناً، على صفحات الجرائد والشاشات. أتكون كلها مادة للمناقشة، أو جزءاً منها؟ ألم يكن يعرف الحزب أن هذه المقتلة ستحرك الرأي العام، داخلياً وخارجياً، ضده، وتدين فعلته، وتضيق الخناق عليه وتزيد عزلته العربية والدولية؟ وهذا ما حدث عندما رفضت عائلة الفقيد، والحراك، أن تتولى الأجهزة اللبنانية هذه القضية، وطالبت بتحقيق دولي (على غرار ما حدث بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعض رموز 14 آذار عام 2005). بل هل يلعب «حزب الله» لعبة «الحرب الأهلية» من خلال سلوكه، بهدف إقامة «مؤتمر تأسيسي» يعيد تشكيل الدستور اللبناني وبُنية النظام السياسي؟ أسئلة كثيرة تطرح، لكن الأجوبة ملتبسة. 
أما السؤال المهم أيضاً، فهو: مَن سيكون الضحية الثانية؟ وأين؟ أيكون ناشطاً أم كاتباً أم صحافياً.. أم سياسياً؟
هذا السؤال أجابت عنه محطة المنار بنفسها: سيأتي يوم ويباع بالرخيص مَن يشتري بالرخيص.