لم يحمل بيان آستانة 13 الذي انعقد في سوتشي يومي 16و17 من الشهر الحالي أي تقدم نوعي نحو الحل السياسي المنشود، وللأسف لم تحقق عملية آستانا شيئاً منذ بدئها سوى ما سمته (خفض التصعيد) الذي نجمت عنه المصالحات التي لم تفلح في تقديم نموذج يحتذى به في بقية المناطق السورية.
وقد تحدث البيان عن وقف إطلاق النار، وأكد استمرار القتال ضد الإرهابيين (والمفارقة أن إيران الضامنة ترى كل المعارضين إرهابيين)، بينما بدأت روسيا تعترف بوجود معتدلين في المعارضة، وتؤكد التزامها ببيان جنيف، وتذكر المعارضين بموافقتها على القرار 2254 (رغم اختلاف القراءة القانونية لهذا القرار) مما دعا كثيرين لاعتبار ذلك بدءاً لمراجعة الموقف.
ولقد كان مهماً أن يؤكد البيان على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وهذا ما يتفق عليه الجميع، كما تحدث عن رفض العقوبات المفروضة على سوريا لكنه لم يشر إلى الحالة التي دعت إليها، كما تحدث عن تبادل المحتجزين دون أن يشير إلى التفاوت الضخم بين الطرفين.
كما دعا البيان إلى عودة المهجرين إلى وطنهم دون أن يشير إلى الآليات الواجب اتخاذها لضمان أمن المهجرين، وأماكن سكناهم في حال العودة، فكثير منهم بيوتهم مدمرة ولا مأوى لهؤلاء سوى المخيمات. 
وقد أكدت الدول الضامنة على متابعة عمل اللجنة الدستورية رغم أن الجميع بمن فيهم المبعوث الدولي «بيدرسون» عبروا عن إخفاقها في تحقيق حد أدنى من التوافق، ولم يشر البيان إلى ضرورة أن تعيد الحكومة السورية الاعتبار لوفدها، وتعلن أنه وفد رسمي يمثلها.
إن الخطر الأكبر الذي يهدد مسار الحل السياسي هو إهماله دولياً، وإبقاء الحال على ماهو عليه، ومع أهمية الالتزام بتعهدات وقف إطلاق النار رغم الخروقات الكبيرة التي تعترضه، إلا أن الوضع السوري سيبقى على صفيح ساخن، ولن يتحقق الاستقرار الذي يمكِّن أية جهة من البدء بإعادة الإعمار الذي أشار إليه البيان في حديثه عن تجديد البنى التحتية، فالمستثمرون يحتاجون إلى بيئة آمنة، وإلى ضمانات كيلا يتعرضوا للآثار الكارثية التي جعلت الاقتصاد السوري في محنة تاريخية، فضلاً عن احجام قوى كبرى عن المشاركة ما لم تبدأ عملية الحل السياسي بشكل جاد يبني حالة الاستقرار.
ويلفت الانتباه في لجنة آستانا، غياب التمثيل السوري رغم المقدمات التي تشير باستمرار إلى ملكية سوريا للحل، والتأكيد على انه سيكون نتاج حوار (سوري - سوري)، كذلك كان غياب الحضور العربي الفاعل، وكان من المفترض أن يكون صوت الجامعة العربية هو الأقوى، رغم تدويل القضية، ولابد من الإشارة إلى غياب الولايات المتحدة التي يترقب الجميع من إدارتها الجديدة بيان رؤيتها المستجدة حول القضية السورية.
لقد بدا أن ما حدث في سوتشي ضمن مسار آستانة هو مجرد دفع للوقت الضائع إلى الأمام، وتأجيل عقد اللقاء الرابع عشر إلى نهاية شهر يوليو القادم أو مطلع أغسطس هو تمرير لفترة انتخابات الرئاسة القادمة التي لم تحسم توجهاتها بعد.
والمشكلة الكبرى في سوريا الآن تكمن في معاناة السوريين الاقتصادية التي بلغت حداً غير مسبوق، بعد انهيارات سعر الليرة، وحدوث فجوة كبرى بين الدخل وبين احتياجات الانفاق الضروري، فضلاً عن معاناة ملايين من المهجرين والنازحين الذين باتوا ينتظرون الإغاثة، وهم في بلد غني بالثروات، وهم يترقبون حلاً من عشر سنوات، بينما تبحث دول كبرى عن مصالحها، وتهمل مصلحة الشعب الذي أنهكه التشرد، والخطر أن ترتاح بعض الدول إلى حالة تقاسم النفوذ ويبقى حال السوريين في العراء.