إذا لم يضع الجانب الأميركي متطلبات الأطراف الإقليمية في التعامل الراهن والمحتمل مع الجانب الإيراني، فإن ثمة إشكاليات ستطرح في السياق السياسي والاستراتيجي سترتبط بنمط العلاقات الأميركية الإيرانية من جانب، والعلاقات العربية الأميركية من جانب آخر، خاصة أن التصور الأميركي للعودة للاتفاق، أو إعادة تغيير بعض بنوده بإضافة ملحق خاص بما هو مطروح أميركيا سيكون أمراً مهماً لكل الأطراف، وليس لكل من إيران أو الولايات المتحدة فقط، وهو ما يجب وضعه في الحسبان. 
فإسرائيل تسعى لمحاصرة التحرك الإيراني من خلال رسائل التفاوض المطروحة، والمرتبطة بالحسابات الإيرانية الراهنة والمؤجلة إلى ما بعد إجراء الانتخابات الإيرانية، والتي ستكون حاسمة وستمثل طرحاً متوازناً في إطار توزيع الأدوار في الساحة الإيرانية، ومركزية صنع القرار، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية ليست في عجلة من أمرها حسماً وجزماً بالخيارات المطروحة والواردة لاعتبارات متعلقة بالجانب الإيراني، والضغوطات الإسرائيلية المكررة. ومسعى إسرائيل لتطويق المواقف الإيرانية، والتحذير من العودة الأميركية للاتفاق من دون ضمانات لا تقتصر فقط علي البرنامج الصاروخي، أو تغيير السلوك الإيراني في الإقليم، وإنما تمتد للتعامل ككل مع الحالة الإيرانية المتصاعدة، والتي لن تتوقف عند البرنامج النووي الإيراني محل التنازع الحقيقي. 
ووفقاً لتقديرات استخباراتية إسرائيلية فإن إيران قد وصلت إلى مرحلة العتبة النووية، وبالتالي فإن المسألة ليست في تملك القنبلة، وإنما في تطوير استخدامها الفعلي، وهو ما يحتاج إلى وسائل إطلاق من خلال منظومة الصواريخ الإيرانية المعدلة، والتي ما تزال إيران تطور قدراتها، وهذا هو مكمن الخطر..
وبالتالي فإن الإدارة الأميركية مطالبة بالتجاوب مع الانفتاح على الموقف العربي والإسرائيلي لما تتم المطالبة به فعلياً، خاصة أن الدعوة لإقرار حوار إقليمي يضم الجميع بات مطلباً مهماً، كما أن التركيز على الحوار مع الجانب الأوروبي مهما خاصة أن الأوروبيين استمروا في الاتفاق بعد الانسحاب الأميركي، وبالتالي لديهم خبرات في التعامل خاصة في محاولات الإفلات الإيراني من العقوبات الأميركية، وبالتالي فإن التبكير برفع جزئي للعقوبات على إيران قد يكون أمراً مكلفاً على الجانب الأميركي لاحقاً حال عدم التزام الجانب الإيراني بما سيتم الاتفاق بشأنه، وقد يؤدي لتداعيات غاية في الخطورة على أمن الجميع، وليس أمن دول بعينها.
إن طبيعة وخصوصية العلاقات العربية- الأميركية تسمح بالفعل بإجراء حوار إقليمي من أجل التوصل لآليات حقيقية في التعامل المرتقب بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن هذا الأمر يجب أن يكون على قاعدة المصالح المشتركة، وعلى أن تعمل في الاتجاهين خاصة أن إيران ستنطلق في دائرة محددة مركزها العمل على رفع العقوبات والعودة إلى أسواق التعاملات الدولية، فحالة العقوبات التي فرضت منذ سنوات كلفت الجانب الإيراني الكثير من التبعات السلبية، إضافة لانهاك الاقتصاد الإيراني، وبالتالي ستعمل على الخروج من حالة التأزم مقابل الالتزام بما سيُطرح أميركياً، وقد يواجه بتحفظات أوروبية واعتراضات عربية، ورفض إسرائيلي ما لم يطرح في سياق مراعاة مصالح الجميع في التعامل مع الحالة الإيرانية بأكملها، وهو ما يجب على الإدارة الأميركية تفهم أبعاده، فالمصالح إذا تعارضت بين الأطراف العربية وإسرائيل والولايات المتحدة، فستكون إيران هي الرابح الأول مما سيجري.
*أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والاستراتيجية