بعد فوز بايدن بالانتخابات، ازدادت مطالبة الولايات المتحدة لدول الشرق الأوسط بتطبيق مبادئ الديمقراطية الليبرالية مثل حقوق الإنسان، وهذا ما نراه مُسلطاً بقوة من خلال وسائل الإعلام الرئيسية الأميركية والبريطانية تحديداً التي تصل إلى حد تشويه سمعة دول المنطقة وبث معلومات مغلوطة بحجة انتهاكها لتلك المبادئ، وما يثبت أن هذه القنوات أهدافها مغرضة ولا تعنيها تلك المبادئ التي تدعو لها هي ازدواجيتها في المعايير، حيث نرى تسليط الضوء على دول، ودول أخرى يكاد لا يذكر اسمها على الرغم من انتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان، مما يثبت أن المطالبة بتطبيق تلك المبادئ ماهي إلا تحقيق أجندة سياسية.
هذه الديمقراطية الغربية، والتي أحياناً يُشار إليها بالديمقراطية الليبرالية، التي تطالب بتطبيقها الإدارة الأميركية المنتخبة في العالم، هي أيديولوجية سياسية تتميز بالانتخابات بين أحزاب سياسية مختلفة ومتعددة، تنادي بالمساواة في حماية حقوق الإنسان والحريات السياسية للجميع، ومع أن هذا التعريف يبدو مثالياً، فإننا نجد واقعه لا يرضي الكثيرين ولا يعتبر عادلاً في نظرهم. 
فما شاهدناه في أحداث الانتخابات الأميركية الأخيرة لا يوحي إطلاقاً بأن الشعب الأميركي سعيد ومقتنع بهذه الديمقراطية. فما زال الكثير من ناخبي ترامب، الذين يصل عددهم تقريباً إلى خمسة وسبعين مليوناً، مقتنعين بأن الانتخابات مزورة وأن قضية عزله كانت غير عادلة وغير دستورية والغرض منها تحطيم مستقبله السياسي ومستقبل تيار مناصريه، الذين يعتقدون أن الدستور يُنتهك لمصالح مجموعة سياسية مستفيدة لقمع التعبير وسرقة الحريات وانتهاك الخصوصية. 
لقد شن ترامب منذ انتخابه حملة ضد ما سماه بـ «مستنقع» واشنطن والذي قصد به مصالح الحكومة الخاصة على حساب الشعب. فهي بناء على وجهة نظر ترامب ومناصريه، عبارة عن نظام الرشوة القانونية الذي من خلاله تدفع مصالح خاصة للحكومة الفيدرالية إلى إنشاء احتكارات في قطاع تلو الآخر، مما يحد من المنافسة وتحويل ثروة ضخمة للمستفيدين من الحكومة وإلى جماعات الضغط ذات الأجور العالية، ولعل هذه الحرب التي شنها ترامب على النظام السياسي في واشنطن كانت من أهم الأسباب لمحاربته من قبل الحزبين. 
إن «مستنقع» واشنطن جعل الكثير من الأميركيين لا يثقون في المؤسسات المجتمعية مثل المؤسسات الإعلامية، لأنها أصبحت الآن تعطي امتيازاً وفوقية لليبراليين. فهذا الامتياز الليبرالي في نظر معارضيه أصبح من حقه إعادة كتابة التاريخ، وإهمال الحقائق، وتغيير الأخبار بطريقة أحادية الجانب. فوسائل الإعلام الأميركية الرئيسية لم تعد مؤثرة لأن الصحفيين أصبحوا نشطاء يساريين ولم يعودوا ينقلون الأخبار، بل يصنعونها، والأكثر خطورة هذه الأيام، انتقلت الرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي وحصار لكل مختلف مع الأجندة الليبرالية. 
إذا كان هذا حال الأميركيين مع الديمقراطية الليبرالية، فعلى أي أساس تتم مطالبة الدول الأخرى بتطبيقها؟ أليس من الأجدى إصلاحها في الداخل الأميركي بدل التبشير بها في الخارج؟
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي