إعلامنا يجتهد لحد قراءة أوراق الشاي ليستشف موقف دولنا من قضية ما، في حين أن للدولة منظومتها السيادية والقادرة على تمثيل موقف الدولة كل حسب اختصاصها ضمن تلك المنظومة. في حين أن واجب الإعلام هو الاستباق والتقصي، نقل القصة أو الخبر، وإعلام الرأي العام (ذلك ضمن البعد السياسي والاجتماعي). 

بعض إعلامنا الخليجي تبنى موقف «الحكيم» مع مَقدم إدارة بايدن، وكان يُبشر بأن عمق العلاقات «الاستراتيجية» تتجاوز ما يصدر من تصريحات رسمية وغير رسمية، وبشكل نسبي قد نتفق مع الحكماء بشكل نسبي، إلا أن المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين باتت تُستهدف معنوياً وسياسياً عبر قنوات رسمية وغير رسمية (إعلامية). وأنا هنا لا أحرض على وسائل الإعلام تلك، أو حث الحكماء على الرد عليها، بل التساؤل ماذا لو كان لإعلامنا وحكمائه أقل دبلوماسية، وترك ذلك لوزارات الخارجية.
سياسياً وإعلامياً، كانت دولنا أكثر قدرة على احتواء السياسات ذات الطابع العدائي أو الإستعدائي عندما كانت دولنا وإعلامنا يمارس السياسة بشكل متماثل وأصحاب تلك السياسات، أي ممارسة الدبلوماسية التقليدية وغير التقليدية (الدبلوماسية خارج إطار الغرف المغلقة). وقد فرضت تلك الآلية الأخيرة توازناً كان مفقوداً في أكثر من ملف. وكذلك، كان للإعلام الافتراضي دوره في دعم تلك الدبلوماسية في أكثر من ملف حيوي، ليس لأنه نوعي بل عفوي وصادق، وذلك ما أكدته احدى كبريات المؤسسات الإعلامية الدولية في 2018. حيث أكدت أن الموقف الذي عبر عنه مجتمع المغردين الخليجيين من تلك القضية تحديدا، هو عفوي وشخصي وغير مدفوع بالموقف الرسمي لدولهم، أو أن هذه الحسابات تدار من قبل دولهم.
إعلامنا يتحفظ ولن أقول يرفض مغادرة التقليدية، بالرغم من وجود بعض المؤشرات الإيجابية على وجود حلحلة نسبية، إلا أن ذلك غير كاف. ولنتناول فرضية، أن للسادة الحكماء شخصيتهم المعنوية ذلك بالإضافة للأدبية، وفي أحيان كثيرة ينظر لهم على أساس انهم لسان حال دولهم، فماذا لو قال بعضهم: لطالما قالت حليفتنا الولايات المتحدة «مصالحنا القومية، تستلزم أخذ هذا الموقف»، ونحن كذلك تلزمنا مصالحنا القومية تقديم مصالحنا القومية على تلك المشتركة مع حلفائنا، أما في حين تقاطعها، فيجب ألا تكون لمصلحة طرف على حساب الآخر.

للسادة الحكماء مكانهم ومكانتهم، وربما كان من الحصافة الإعلامية التعبير عن مواقف داعمة لموقف دولهم بدل تفسير بيانات وزارات خارجيتهم. وها نحن اليوم أمام حملة متصاعدة في الموقف السياسي والإعلامي من قبل أكبر حلفائنا، ومرة أخرى، أنا لست في وارد التحريض على هؤلاء الحلفاء، أو تلك المؤسسات الإعلامية، فهي تمارس الواقعية السياسية، بما يتناسب وتحقيق مصالحها القومية، وعلينا تقبل التعاطي معها من ذلك المنطلق. وعلينا كذلك مخاطبة الرأي العام الأميركي والأوروبي بالاحتكام لآليات الواقعية السياسية، وبما يخدم مصالحنا القومية، بدل تفسير مواقف وبيانات وزراء خارجيتنا.
الآن، بات على إعلامنا محاولة استكشاف مساحات تخدم سياساتنا الوطنية، وإن تَقدمت بعض الأقلام ببعض الأفكار خارج إطار «التفسيرية»، فعلينا إفساح المجال لذلك ولو كان من باب محاولة التكافؤ مع إعلام الآخرين. وهذه ليست توصية بتقبل الشعبوية أو الانفلات، بل الرأي المنضبط والموضوعي، فقد تستطيع بعض تلك الأقلام توفير مساحات للمناورة السياسية، وكذلك تقديم واقعية متناسبة وذات تأثير على وعي الرأي العام وإدراكه.

* كاتب بحريني