في ظل الزيادة المطردة في انتشار أصناف الفيروس المتحورة، والأكثر قدرة على التسبب في العدوى، أصبح من الضروري تطعيم أكبر عدد من الأفراد، وفي أسرع وقت ممكن. لكن نظراً لمحدودية المتوفر حالياً من جرعات التطعيمات المختلفة، أصبح عدد متزايد من الخبراء يدعم فكرة أن أفضل استراتيجية لمضاعفة المتوفر من الجرعات، هي تأجيل الجرعة الثانية لمن تلقَّوا الجرعة الأولى، وتطعيم أكبر عدد ممكن الآن بجرعة واحدة.
هذا الاتجاه تدعمه نتائج بعض الدراسات التي أجريت مؤخراً، كتلك التي أجراها مجموعة من الباحثين في أكبر مستشفيات إسرائيل، وشارك فيها 7 آلاف من الموظفين والعاملين في المستشفى، حيث تبين انخفاض معدلات العدوى بينهم بنسبة 47% بعد أسبوعين من تلقى الجرعة الأولى، من تطعيم فايزر، وبنسبة 85% خلال الفترة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع. وعلى المنوال نفسه، تبين لدى مجموعة من الباحثين الكنديين أن الجرعة الواحدة من تطعيم فايزر تحقق وقاية بنسبة أعلى من 90%.
وكانت الهيئات الصحية البريطانية بداية يناير الماضي، قد اتخذت قراراً بتمديد الفترة بين الجرعة الأولى والثانية من تطعيمي فايزر وأكسفورد، من 21 يوماً إلى 12 أسبوعاً، أي 84 يوماً، وهو ما تسبب حينها في إثارة عاصفة من الجدل والانتقاد اللاذع. وكان هدف أطباء وعلماء هذه الهيئات من هذا القرار، تغطية أكبر عدد ممكن وفي أسرع وقت من الفئات الأكثر عرضةً للمضاعفات الخطيرة بجرعة واحدة مبدئياً، في ظل النقص النسبي في المتوفر من جرعات التطعيمين.
لكن ليس من الواضح مدى فترة الوقاية التي ستوفرها استراتيجية التطعيم بجرعة واحدة، خصوصاً أن غالبية التطعيمات تم اختبار فعاليتها وكفاءتها، والترخيص باستخدامها بناءً على جرعتين. وهو ما حدى بالشركات المطوِّرة للتطعيمات، وهيئة الأغذية والعقاقير الأميركية، ومسؤولي الحكومة الأميركية، بمن فيهم «أنطوني فوتشي» مدير المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية، إلى الدعوة لتوخي الحذر في تطبيق استراتيجيات خارج المألوف.
هذا التباين في الآراء سوف تحسمه المزيد من نتائج الدراسات حول أفضل الاستراتيجيات في توزيع التطعيمات، ومدى قوة العلاقة بين تسارع انتشار الفيروس، وزيادة ظهور النسخ المتحورة منه، والتي قد لا تجدي التطعيمات المتوفرة في الوقت الحالي نفعاً في تحقيق الوقاية منها.

*كاتب متخصص في الشؤون الصحية والعلمية