لا تزال بعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، تحاول أن تحشر الدنيا في فقاعة الشعارات المنتهية، والمبنية على خطاب قومي شعبوي، وهو خطاب حمّلت نتائجه الهزيمة لجيوش عربية عام 1967، فخسرت مصر صحراءها في سيناء، وسوريا هضبتها الجولانية، والأردن نصف جغرافيته في الضفة الغربية، والإعلام العربي «المشحون بالتوتر القومي» مصداقيته كلها.
كانت بعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية «التقليدية» من إفرازات هذا الخطاب المشحون بالشعارات، وبعض القيادات التي تحكم سلطة رام الله اليوم، تستخدم الخطاب ذاته، ومزيداً من القبضة الأمنية على الشعب الفلسطيني. ومكمن الخطر أن يتم إفراغ هذا الشعب من قياداته الشعبية الحقيقية المنبثقة من داخله، لتحل بدلاً منها تلك القادمة من كل أصقاع الأرض، وقد حمل بعضها لقب «مناضلين» باسم القضية.
جزء من نكبة الفلسطينيين الأكبر كان بهؤلاء القادمين من خارج جغرافيا القضية، وهؤلاء تاهوا في السياسة ولعبة المصالح، فانفصلوا عن هموم شعبهم الفلسطيني، بل وتسببوا في إبعاد قياداته الشعبية الممثلة له فعلياً منذ مراحل مبكرة من النزاع العربي-الإسرائيلي، والذي تحول بفعل التقادم والاتفاقيات وصراعات العرب الداخلية إلى نزاع فلسطيني- إسرائيلي، وهنا المشكلة بالضبط.. فمن الذي يمثل الفلسطينيين في هذا النزاع الأطول تاريخياً اليوم بالضبط؟
باعتقادي أننا اليوم أمام استحقاق هذا السؤال فعلاً: من يمثل الشعب الفلسطيني؟
لقد كانت فكرة أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من بين الأمور الأكثر جدلاً في تاريخ الصراع «العربي- الإسرائيلي»، وهي الفكرة التي أخرجت «الضفة الغربية» من إمكانيات الحلول القانونية ضمن المنظومة الدولية إلى وضعها في هذا الفراغ، الذي تمر به الآن في ظل سلطة تعاني من عدم الاعترف بها شريكاً حقيقياً في السلام، لتنتهي الضفة الغربية في متاهات سياسية وقانونية بحكم الواقع.
أمام هذا الفراغ السياسي، وقد رحل ياسر عرفات بكل كاريزميته الفلسطينية، التي كانت وللإنصاف تشكل رمزاً حقيقياً لهوية فلسطينية موحدة، وبقيت سلطته للحكم الذاتي، وقد تقلصت رغم أجهزتها الأمنية التي تعبر عن سيادة غريبة.
إذا كان العالم لا يزال يتحدث «بإيمان حقيقي» عن عملية سلمية، وإن كانت واشنطن تعيد ترتيب الأوراق على الطاولة بهدف حلول سلمية تتضمن حل دولتين، أو حتى حل دولة واحدة، أو أي حل يمكن طرحه، فإن كل هذا ليس إلا طحناً للماء ما دام الشعب الفلسطيني لا يملك قياداته التي تم تهميشها لمصلحة «مناضلي تونس ومشتقاتها في عواصم الاحتضان القومي».
أعتقد أن الفلسطينيين معنيون جداً قبل أي طرف آخر بتحديد هوية من يكون ممثلهم الشرعي «الوحيد أو بالشراكة» أمام الطرف الإسرائيلي وأمام العالم، لأن العربة لم تعد أمام الحصان ولا خلفه.. العربة الآن وببساطة، بلا حصان.

مالك العثامنة*
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا