كل ما يتم تنفيذه في الإمارات من مشاريع ومبادرات حكومية، وكل ما يُطرح على طاولة النقاش والبحث من رؤى وأهداف وطموحات؛ لا شك أنه يندرج في إطار تعزيز مكانة الإمارات دولياً لتكون الوجهة المثلى والفضلى بالنسبة لكثيرين، ليس فقط لرجال الأعمال كي يجدوا البنية التحية عالمية المستوى، التي تمكّنهم من بدء أعمالهم في الإمارات والاستمرار فيها، إنما كذلك على مستوى الأفراد الذين يريدون بناء حياة جديدة عمادها الإفادة والاستفادة، وهو ما يسهم في بناء البلد ويحقق أعلى نسب الفائدة للطرفين. وتلك هي ميزة الدول التي تؤمن بأهمية الطاقة البشرية. وهي بقدر ما تمنح تراثها اهتماماً بالغاً، كذلك تفتح أبوابها لتكون «دولة عالمية»، يعيش كل من فيها بسلام ووئام على أسس التفاهم والتسامح والعلاقة الاعتمادية المتبادلة، فيتشاركون الحياة اجتماعياً وأخلاقياً وبيئياً واقتصادياً، ويشعرون بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض، كما يعتمدون على بعضهم بعضاً في تيسير شؤون الحياة.
ولأن حكومة الإمارات تسعى دائماً لتقديم الأفضل لمواطنيها وللمقيمين على أرضها، فهي – إلى جانب خططها قصيرة المدى – تضع خططاً طويلة المدى، وتعمل على تنفيذها، كما الحال بالنسبة لمئوية 2071. وعبر عقدها مؤخراً «خلوة عام الخمسين»، التي استمرت جلسات العصف الذهني فيها على مدار يومين متتاليين، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ يمكننا استجلاء الأهداف الرامية إلى تعزيز الجهود الوطنية لتطوير المسارات المستقبلية للدولة بوضوح، إلى جانب وضع إطار استراتيجي لرؤيتها التنموية خلال الأعوام الخمسين المقبلة، مع تحديد المبادرات الوطنية الكفيلة بتعزيز التنافسية في مختلف القطاعات.
وكما هو معلوم، فإن الجهات الحكومية معنية بتلك الأطر والمسارات والمبادرات، من جهة تطوير فرق العمل وتمكينها وتعزيز مهاراتها وخبراتها، وبما يسهم في صناعة المستقبل، بدءاً من سعيها نحو تحقيق رؤية الإمارات 2021، ووصولاً البناء إلى مئوية 2071.
الجلسات التفاعلية والحلقات النقاشية المصغرة التي عُقدت خلال الخلوة وتم الإعلان عنها؛ جعلت الخلوة غير تقليدية، وخصوصاً في ظل حضور الوزراء وعدد من القيادات في الهيئات والوزارات، الأمر الذي يؤكد أن جميعهم مسؤول عن رسم ملامح المرحلة المقبلة وصياغة محاور وتصورات وخطط مبتكرة تثري مسيرة التنمية الإماراتية، فتجعلها متفرّدة أكثر فأكثر، مثلما تفرّدت الدولة منذ تأسيسها، فضمنت لها حضوراً متميزاً بين دول الجوار ودول المنطقة العربية والإقليمية.
منذ خمسين عاماً ومع عهد الاتحاد، بدأت الإمارات بتسجيل نجاحات متوالية في شتى المجالات، وبفضل الجهود الاستثنائية التي بُذلت أصبحت نموذجاً مهماً من جهة استثمار المال والكوادر البشرية، ومن المشهد الصحراوي - وبنقلة نوعية - وصلت إلى الاستثمار في الفضاء، وهو أمر لم تصل إليه دول كثيرة، ومع ذلك لا تزال الإمارات حريصة على الاستمرار في ما بدأته قبل خمسة عقود.
إن استراتيجية الحكومة بتسجيل الإنجاز إثر الآخر هي مؤشر على ارتفاع عتبة النهضة التي تنشدها، والسعي الحثيث لتنفيذ الخطط، ليس فقط في حالة الرخاء، إنما كذلك في أوقات الشدة خلال التحديات التي تعترضها، ليبقى الهدف الأول بناء الإنسان والسعي نحو تكريس رفاهه، وهو ما تؤكده ورشة العمل الوطنية الموسعة للتخطيط لمستقبل الدولة خلال العقود الخمسة المقبلة التي أطلقتها الخلوة. لكن ثمة مسألة أخرى يجب أن نضعها في الحسبان، والتي تتمثل بتكريم قيادة الخلوة للفريق الإماراتي، الذي عمل في مشروع «مسبار الأمل»، فهي خطوة لها دلالتها، ولا يمكن لمراقب أن يغفل عن مغزاها.