«لا تخُن حليفاً أبداً بعدما اعتمد علينا،» هذا ما ذكره هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، في ندوة برعاية مؤسسة نيكسون في الرابع من الشهر الجاري محذراً الرئيس الجديد، جو بايدن، بألا يميع انتصار سياسة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في المنطقة سعياً لتفاوض سابق لأوانه مع إيران. إن أهم ما ذكره أيضاً كيسنجر أن هذه المنطقة ليست مجرد منطقة تضم دولًا تتنافس على النفوذ وأنه بالرغم أن ترامب كان رئيساً متمرداً إلا أن الاستراتيجيات الأميركية القديمة الفاشلة للشرق الأوسط كانت بحاجة إلى رئيس يربك الأوراق القديمة ويفكر خارج الصندوق. 
واضح ما كان يشير إليه كيسنجر عندما ذكر «لا تخُن حليفاً أبداً»، هم حلفاء أميركا المعروفين في المنطقة، فما كان يعنيه أن السياسة التي تنتهجها إدارة بايدن بالهجوم على حلفائها كالذي على السعودية بسبب حرب اليمن وتقرير الاستخبارات الأميركية «المسيس» عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لن يحل حرب اليمن، ويجعل منها دولة مستقرة، وكذلك الهجوم المستمر على السعودية لن يضعفها. 
فدول المنطقة ليست مجرد دول تتنافس على النفوذ وسعي الإدارة على توازن هذا النفوذ أو ما يطلق عليه توازن سُني/ شيعي يعتبر تسطيحاً في تحليل أساسيات الإشكالية لأن الصراعات ليست بين دول فقط، بل مع جهات متعددة. فلم يكن خافياً على أحد أن تهديد الولايات المتحدة وحلفائها في العقود الماضية كان من جهات فاعلة غير حكومية مثل وكلاء إيران في المنطقة من الميليشيات المسلحة والتغافل عنها كان أحد الأسباب لظهور ميليشيات قتالية من المذاهب الأخرى كـ«داعش»، مما فاقم الوضع والاضطراب في المنطقة. 
لكن الولايات المتحدة كما ذكر كيسنجر كانت محظوظة بالرئيس ترامب، الذي جاء بفكر مختلف حيث حوّل «دولة الخلافة»،  أو «داعش»، إلى أنقاض. ومع «الضغوط القصوى» ضد إيران واستنفادها لخزانتها، اضطرت إلى تقليص الدعم المقدم إلى وكلائها من الميليشيات المسلحة مثل «حزب الله». وبهذه السياسة تم إضعاف الميليشيات التابعة لإيران، وكذلك قُضي على «دولة الخلافة». 
وجاءت إدارة بايدن فبدل أن تكمل الخطوات الناجحة التي كانت في عهد ترامب بشهادة ثعلب السياسة الأميركية، كيسنجر، قامت بخطوات أقل ما يقال عنها إنها متخبطة. فإدارة بايدن كانت تأمل في إنهاء الحرب في اليمن ووقوف الهجمات «الفظيعة» على السعودية على حد تعبيرها، لكن ماذا كانت تتوقع من ميليشيا مدعومة من نظام ثوري بعد إلغاء تصنيفها جماعة إرهابية والهرولة السريعة للعودة للاتفاق النووي مع إيران، بينما تخفض مستوى التحالف مع السعودية وتقيد مبيعات الأسلحة إليها، مما جعلها في موقف دفاعي؟!
إن كل ما فعلته إدارة بايدن في المنطقة إلى الآن أنها زعزعت ثقة الحلفاء بأميركا الذين ساعدوا إدارة ترامب على الاستقرار والسلام، بينما تعمل على استرضاء الخصوم «دون أي مقابل».
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي