رغم كل المخاوف، والارتباكات التي واجهناها فرداً فرداً مع بداية أزمة كورونا، فإن الإنسان بدأ يتعافى شيئاً فشيئاً من تلك المخاوف، ويضمد جراحه التي تركتها خساراته في هذه الحرب الضروس مع الفيروس اللامرئي، ويبني خططاً ويحضر أدوات سعياً لمعايشة الواقع والتكيف معه، ثم الخروج من هذه الحقبة «بطيئة» الدقائق بسلام.
ولكن في الوقت ذاته، لا تزال «المرأة» المحارب الأول في هذه المعركة، والذي يقف في الخط الأول، وصمام أمان للمجتمعات، ولا أقصد هنا العاملات في القطاع الصحي، أو العسكري فحسب، بل هي كل امرأة حملت ولا تزال على كفيها كل الأعباء «الإضافية»، التي حورت لأعباء «أساسية» بسبب الأزمة العالمية الحالية.
لقد أثبتت المرأة منذ زمن بعيد جداً، أنها شريك جنباً إلى جنب مع الرجل في رفع أساسات كل مجتمع، ووطن، ودولة، وحي، وبيت، وجاءت هذه الأزمة ليزيد ذلك الإثبات تأكيداً، وقوة، فخلف كمامتها المعقودة بقوة، تتصاعد أنفاس جسد واحد يضم الأم الحنون، والمربية الفاضلة، والمعلمة المنشئة، والطبيبة الممارسة، والزوجة الصالحة، والموظفة المثالية، والابنة البارة، والتقنية سريعة التأقلم، وأكثر من ذلك بكثير، كما حققت المرأة انتصارات واضحة في شتى المجالات القيادية التي تسلمتها، مما يجعل العالم يعيد النظر في نسبة ما يشغلنه من المراكز القيادية، والتي لا تتجاوز7 ‎%‎ فقط من إجمالي قادة العالم.
إن الدور الحضاري، والرسالي الذي قدمته المرأة ولازالت، خلال هذه الجائحة العالمية، يتعدى اعتبارهن قدوة أو «أمثلة يحتذى بها في القيادة» كما وصفتهن مجلة «فوربس» الأميركية، وبخاصة في ظل ما تقدمه من عطاء غير مسبوق أينما حضرت. وها هي المرأة (الشجاعة) تقود المعركة ضد كورونا في العديد من المجالات، دون تردد أو تراخٍ، رغم أنها المتطوع الأول، والأثقل عبئاً في سجال البشرية في وجه فيروس كورونا المستند، فبحسب إحدى الدراسات التي أجرتها منظمة الأمم المتحدة، تعاني النساء والفتيات، من آثار سلبية مضاعفة على الصعيد الاقتصادي، لكون أجورهن تبقى أقل من الذكور عامةً، ناهيك عن تسلمهن العديد من الشواغر التي تعتبر «غير آمنة» عليهن. 
كما تتعرض المرأة خلال الجائحة، ووفقاً لطبيعتها البيولوجية، لتهديدات متعلقة بالرعاية الصحية الإنجابية خاصةً، بسبب إعادة تخصيص الموارد والأولويات، إضافةً للعبء الاجتماعي، من تعليم الأطفال، ورعاية كبار السن، وتداعيات الأزمات النفسية الناتجة عن الإغلاقات، والحظر والتي أدت لاحقاً لزيادة العنف الأسري. 
في ظل كافة الإنجازات المبهرة التي تقدمها نساء العالم، قبل الجائحة وخلالها، ورغم كافة التحديات التي حولت منها بإرادتها مدرجاً يصطف عليه مجتمعات بشرائحها وثقافاتها للثناء عليها والتصفيق لروعتها، فإنها -للأسف- لا تزال تتعرض لانتهاكات واعتداءات لا تليق بكينونتها ولا بمكانتها التي حفظتها لها الشرائع السماوية ومنها الإسلام، موصياً بالرفق بها، وهذه السطور تضاف لشتى الهمم «ذات الكرامة»، والمروءة، التي تندد بكل ما يسيء لـ«درر» مجتمعاتنا، وتؤكد على دورهن وأثرهن العظيم في تنشئة أجيالنا الصاعدة المهيأة لقيادة أوطاننا، وحماية مجتمعاتنا من عوارض التطرف والعنف، وبناء مؤسساتنا قوية تدحر عدوان التخلف والجهل، بل هن الحصانة المانعة عن التردي والانحراف وراء شعارات الزيف والغيض المؤدية إلى الهاوية، فهن بتكريم من الخالق سبحانه وتعالى، مصنع الحياة، وحياة المجتمع. 
وكل دقيقة، وكل يوم، وكل عام ونساء العالم قناديل تُضيء ظُلمة هذا العالم، وتبعث الطمأنينة في الأفئدة، وشعاراً نتباهى به وأبناؤنا في شخص المرأة الطموحة الناجحة المثابرة، والملهمة.