اختتم البابا زيارته إلى العِراق، عائداً إلى داره بأمان، حاملاً صورة رائعة عن هذه البلاد، غير التي اشتهرت عنها، تفجيرات واغتيالات على مدار السَّاعة. كانت الزَّيارة مغامرة، ليس بسبب الوباء فقط، بل لا يُستبعد أنّ البابا نفسه وضع احتمال، في خاطره، أن يشق الصُّفوف إليه حامل حزام ناسف، وإذا به أمام ترحيب تطمئن له النفوس. 
كانت البعثة البابوية لها عِلم بالبرنامج المُعد، كي لا يقول مَن يقول: إنَّ الاستقبال الفني لا يَليق بشخصية دينية، وهناك مَن حمل الزَّيارة أكثر مما تحتمل، فاعترض على قبول البابا بها في ظل وجود الفساد واغتيال المتظاهرين، وآخرون رفعوا مستوى اللامعقول، فاعتبروا الزِّيارة تمهيداً لمرو (الصّهيونية) إلى أور، وآخرون اختصروا اعتراضهم غير المباشر على زيارة البابا لمرجعية النَّجف، مما يُقلل دولياً من مرجعيات سياسية. 
نشر أحد قادة الميليشيات تغريدة: «يُحاك لمدينة أُور الأثريَّة بواجهة حوار الأديان، يجب أن لا نتفاءل كثيراً بزيارة الفاتيكان، وأنه سيجعل ديارنا برداً وسلاماً، فحري به أن يصلح دولته التي لا تزيد مساحتها عن مساحة قطاع مِن قطاعات مدينة الصَّدر»(عن روسيا اليوم). صاحب التَّغريدة لا يعلم أنَّ الفاتيكان مرجعيتها ليست كالولاية التي يتبعها، ويخوض المعارك بشباب العِراق مِن أجلها، وعن السَّلام بالعراق فهو منتهك بكتائبه قبل غيرها. كذلك مَن استولى على عقارات المسيحيين يرى الزِّيارة «مؤامرة»، لأنها ستشجع أهلها من العودة والمطالبة بالحقّوق. 
خلاف ما ذُكر عن أجندةٍ لزيارة البابا، غير التَّضامن الإنساني والاعتراف بهذه الأرض كموطئ الحضارة الأولى ومهد الدِّيانات، فأور تصلح أن تكون مدينة حوار أديان، وحضور البابا فيها إلى جانب رجال دين شيعة وسُنة وصابئة ومسيحيين، يمكن أن يكون لزقورتها الرَّابضة منذ آلاف السنين هذا الدَّور الإنساني. 
ذكرها الطَّبري(تـ: 310هجرية) في تاريخه «قرية بين الكوفة والبصرة»، عدا هذا قلما ذُكرت في التَّاريخ الإسلامي، لأن أسماء المدن القديمة تغيرت بتغير الدّول، فأخذت تشتهر بذي قار، لوجود القار في طرقاتها، ثم شعبياً بالمقير(لغة العرب، المجلد:9). 
تراجع دور «أور» أثر انتقال ثقل الحكم من القسم الجنوبي من العراق إلى وسطه، حيث بابل، بعد أن كان تجارها لهم شركات بحرية لنقل التجارة(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام). ورد اسمها في «العهد القديم» بـ«أور الكلدانيين» ثلاث مرات كلها تتعلق بإبراهيم ولادته وخروجه. 
غير أنَّ معنى «أور» في الآرامية الشرقية: ابن كائن الظلام «الروهى» (الكنزا ربا)، وفي العبرية «نور أو لهب»(قاموس الكتاب المقدس)، ونحت منها عربياً «الأوار»: وهج النَّار(تاج العروس). لهذا يأتي الخلط بين خروج إبراهيم مِن «أُور» المكان، وأور «النَّار»، وهي معجزته حسب المعروف دينياً. 
تبقى «أور» شاهداً على حضارة قديمة، تقبلها الأديان بالمنطقة، فالمشترك هو إبراهيم، ومعلوم أن الأديان تتعامل بالروحانيات وليست بالآثار والتقنيات والسِّياسة. هذا سيوفر قاعدة روحية للحوار، الذي لا تقبل به مرجعيات الإسلام السِّياسي، الذي انتقدها البابا بإشارته إلى إبعاد الدِّين عن السّياسة والعنف، وما أشار به الرئيس برهم صالح مِن فكرة تأسيس بيت إبراهيم للحوار، حيث زقورة أور الكلدانيين، فشتان بين زقورة للسَّلام والإخاء، وقاعدة لإطلاق الكراهيَّة! نجحت الزِّيارة بإنهاض الرُّوح العراقية المشتركة، التي غطت عليها فظائع العنف الدِّيني والطَّائفي.