ربما يكون التعليم من أكثر القطاعات التي تأثرت بجائحه كورونا على المستوى العالمي، حيث تسبب تفشي الفيروس في وقف المؤسسات التعليمية في معظم، إن لم يكن كل دول العالم، قبل أن تسارع هذه الدول إلى تطوير آليات لضمان الاستمرارية في التعليم عن بُعد.
وكانت الإمارات في طليعة الدول التي استجابت سريعاً لهذا الأمر، وذلك بحكم توافر بنية تحتية قوية ومتطورة، ووجود خطط مسبقة، سواء على مستوى الجهات الحكومية أو المدارس العامة والخاصة، ولذلك حققت نجاحاً كبيراً في هذا المجال، بل وتعدّ تجربتها نموذجاً يحتذى به، وخصوصاً إذا ما قارناها بالكثير من دول المنطقة، التي اضطرت لغلق مؤسساتها التعليمية لأشهر، بينما لم يكن هناك تقريباً أي وقف للتعليم منذ البدء بتطبيق الإجراءات الاحترازية في مارس 2020، وهو ما يُسجل لدولة الإمارات، وللقائمين على شؤون هذا القطاع الحيوي. 
ولم يكن موضوع الاستمرارية في التعليم هدفاً في حدّ ذاته، وإنما الجودة أيضاً، ولهذا كانت هناك خطوات مهمة تمّ اتخاذها ليس على المستوى اللوجستي فقط، ولكن على مستوى البرامج التدريبية وعمليات التقييم كذلك، من أجل ضمان تحقيق المخرجات المستهدفة من العملية التعليمية. وقد أجرت وزارة التربية والتعليم تقييماً شاملاً لمنظومة التعلم عن بُعد، المطبَّقة في المدارس الحكومية والخاصة، وقد أظهرت عمليات التقييم التي تمت وفقاً للمقارنات والممارسات التعليمية الدولية تطوراً واضحاً في هذه العملية. ومن هنا شكّلت الإمارات نموذجاً ملهماً في قطاع التعليم خلال الجائحة، حيث تمكَّنت المنظومة التعليمية من التفاعل بكفاءة مع مختلف التداعيات التي نتجت عن هذه الأزمة، فأثبتت جاهزيَّتها عبر استمرارية عملية التعليم داخل الدولة. فالسياسات التي تبنّتها الدولة ونهجها الاستباقي، جعلا عملية التعليم عن بُعد بديلاً استراتيجيًاً لمواجهة التغيرات الاستثنائية المترتبة على الجائحة. 
ومع كل ذلك، من الطبيعي جداً أن يواجه التعليم عن بُعد صعوبات وتحديات عدة، خاصة فيما يتعلق بالعملية التفاعلية والعزلة الاجتماعية وحتى المشاكل التقنية والالتزام وغيرها. ففي بيئة التعليم الوجاهي هناك انضباط أكاديمي، سواء فيما يتعلق بالحضور أو المتابعة أو أداء الواجبات المنزلية، ومن ثم يكون الشعور بالمسؤولية أكبر. كما تبقى مسألة التفاعل بين عناصر العملية التعليمية (المعلم والطالب والمنهاج) مهمة جداً لضمان تنمية المهارات الأساسية لدى الطلبة، كالنقاش وطرح الأسئلة والتفاعل. وهناك أيضاً المشاكل التقنية، سواء الحقيقية بسبب مشاكل الإنترنت أحياناً، أو المفتعلة عندما تصبح حجة من قبل الطلبة، وهذا بالطبع يسبب إرباكاً. 
وقد أدرك القائمون على التعليم في الدولة هذه التحديات في وقت مبكر، لذلك فتحوا المجال أمام التعليم الهجين، وواصلوا العمل من أجل التعامل مع كل الصعوبات التي من الطبيعي أن تظهر من وقت إلى آخر، بل وتحويلها إلى فرص للتطوير والتحسين، وهذه الجهود الاستثنائية التي تبذلها على كل المستويات، تحتاج إلى تضافر جهود الجميع، وخاصة أولياء الأمور الذين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة لمتابعة أبنائهم، وضمان حضورهم وانتباههم، وتأديتهم للواجبات المدرسية بالشكل الصحيح، وذلك لكي نضمن الاستفادة القصوى من ميزات التعليم عن بُعد، بكل ما أتاحه من فرص للإبداع والابتكار.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.