في لحظة الاحتفاء الإماراتية بنجاح المهمة الفضائية بوصول «مسبار الأمل» إلى مداره حول المريخ. وبينما كان الشعب الإماراتي يتابع المشهد التاريخي كان هناك جيل جديد يولد في مستشفيات الدولة الإماراتية بطولها وعرضها يخرجون للحياة، ويرتدون ذات الملابس التي ارتداها هزاع المنصوري في مهمته الفضائية كأول رائد فضاء إماراتي. وقد يكون المشهد احتفالياً ويحمل دلالات الفرح بتخليد اللحظة الوطنية بعد جهد وبذل توج بنجاح «مسبار الأمل»، وقد تكون جرعة تحفيز وطنية لإلهام المجتمع الإماراتي بالاهتمام أكثر بعلوم الفضاء والتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي. ولعل هذا هو الأقرب من بث تلك الصور للمواليد المرتدين السترة الفضائية.
منذ نشأت الدولة الاتحادية الإماراتية، وثمة تحديات تحولت إلى فرص، والفرص تحولت لمنجزات والمنجزات تحولت لمعجزات. وحتى حلم بلوغ الفضاء الذي راود المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - لم يكن سوى تحدياً من التحديات، تحول بمرور السنين إلى فرصة ممكنة ثم أصبح منجزاً حقيقياً ملموساً تحقق في بلد كان قبل عقود قليلة جداً بلداً يصارع البيئة الصحراوية القاسية ليبقى بين البلدان في منطقة صعبة ومعقدة بصراعاتها ونزاعاتها العميقة. فكان الوجود السياسي مهمة مستحيلة تحققت، وجاءت بعدها استحقاقات تالية، تحولت إلى فرص ثم نجاحات حتى تمام النصف قرن من عمر الإمارات كدولة وكيان، جاءت الوثبة التالية لتبدأ بالوصول إلى المريخ لإعلان الهدف المئوي الذي ستذهب له الإمارات في الخمسة عقود المقبلة.
في الذهنية الإماراتية الفكرة تبدأ من الصفر وتنتهي عند تحقيق الهدف، أي أن الخطة الكاملة يتم استيعابها بشكل كامل، وهذا ما حدث تماماً مع بداية مشروع الفضاء الإماراتي، الذي بدأت معه تهيئة البنية التحتية اللازمة للانتقال بما يجب أن تكون عليه الدولة من تأهيل الكوادر والمؤسسات التعليمية وتوسيع قدرات الجامعات والكليات المتخصصة، بافتتاح جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في ظل ظروف مرور جائحة كورونا، لتضاف إلى التحديات المفروضة في سبيل مشروع البنية التحتية النوعية المعتمدة على المعرفة والتوظيف الرقمي، ليكون واحداً من الروافد الاقتصادية للدولة في ظل استراتيجية عامة بتنويع مصادر الدخل الوطني.
كل هذا التطلع يأتي في دائرة زيادة القوة الناعمة بالتأثير المباشر في صناعة المعرفة، وتصديرها كواحدة من منتجات القرن الحادي والعشرين المرتكز على العولمة والاقتصادات العابرة للحدود، ولذلك تعيش الإمارات مرحلة تكاد غير مألوفة لدى شريحة مجتمعية واسعة لم تعيش مرحلة التأسيس الأولى، والوثبة الأولى للدولة، وهو ما تخوض فيه بكافة مؤسساتها وهيئاتها وكوادرها خلال هذه الظرفية الزمانية الاستثنائية بما فيها من تحديات وصعوبات تتطلب عزماً حقيقياً للعبور ناحية الهدف التالي بتمكين الإمارات من أن تكون دولة مصدرة للمعرفة والتكنولوجيا، وتدخل سباقاً أكثر قسوة وقوة في المؤشرات العالمية، وتثابر لتواصل التمكن من الصدارة على هذه المؤشرات كما كانت خلال العقود الأخيرة. 
المواليد الذين ولدوا في يوم وصول «مسبار الأمل» للمريخ سيكونون جزء من مشاريع وطنية مختلفة ستستهدف أعلى ما يمكن الحصول عليه من العلوم والمعارف، هذا يعني عمل وجهد وبذل واسع أضعاف ما كان في النصف القرن الأول الذي اعتمدت فيه الدولة على تأهيل بنية تحتية تقليدية من شوارع ومدارس ومستشفيات وغيرها بينما البنية التحتية المطلوبة لإنجاز الهدف الوطني الإماراتي تتطلب تأهيل الكادر الإنساني معرفياً وتمكينه من كل ما يمكن الحصول عليه من منتجات رقمية تنتجها الشركات والجامعات حول العالم، فهذه نوعية مختلفة عما هو مألوف في المنطقة، وسيكون على الجيل الإماراتي مهمة الذهاب إلى ما بعد المريخ واستكشاف العوالم المخفية. فهذه هي المهمة باتجاه المئوية، فالإماراتي فضائي.
* كاتب يمني