لا يمكن لأي سياسي أن يتسنى له فهم التعامل مع النظام الإيراني من دون دراسة المؤسسة الثيوقراطية للنظام، وإلا وقع في فخ عدم إدراك ما يصبو إليه، لذلك من المهم القراءة عن هذه المؤسسة ومعرفة آراء خبراء سياسيين وأكاديميين إيرانيين غير مؤدلجين، وليس لهم أي مصلحة مع النظام لأنه كما يُقال: «أهل مكة أدرى بشعابها». وقد كان مقال «ماجد رافي زاده»، وهو أكاديمي إيراني ورئيس المجلس الأميركي الدولي، بمعهد جيتستون، نافذة مفتوحة لمعرفة المؤسسة الثيوقراطية للنظام وتأثيرها على تعاملاته السياسية.
فما وضحه «رافي زاده» بمقاله أن القادة الغربيين هم الأقل معرفة بهذه المؤسسة، وبالتالي هم غير قادرين على رؤية كيفية استخدام النظام للدين لتمرير مصالحه وأجنداته. وإنه لمن العجب أن أكثر الأحزاب الغربية ليبرالية ويسارية، والمناهضة لتطبيق الدين في بلادها، نجدها هي الأكثر ثقة بالأنظمة الدينية في المنطقة. فمن المستغرب أن نسمع قادة غربيين يرددون فتاوى المرشد الأعلى، مثل خطاب الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013 الذي ذكر فيه أن «المرشد الأعلى أصدر فتوى تحرم امتلاك الأسلحة النووية». أما اللعبة التي يلعبها النظام الآن مع الإدارة الأميركية الحالية فهي أن إيران الدينية لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكن إذا زادت الضغوط الغربية فستضطر لامتلاكها، وهذا ما أشار إليه وزير المخابرات الإيراني، محمود علوي: «إذا تم دفع إيران إلى الزاوية، فلن يكون خطأها [أي السعي وراء أسلحة نووية] بل خطأ الذين يدفعونها إلى ذلك».
إذا كان القادة الغربيون يعرفون شيئاً عن النظام فإنهم سيدركون أن القادة الإيرانيين صاغوا الدستور بطريقة تسمح للحكومة بتمرير قوانين تعطي الأولوية لتلك القوانين المدونة على الفتاوى. وطبقاً للمادة 167 فإن القاضي ملزم بمحاولة الفصل في كل قضية على أساس القانون المدون، وفي حالة عدم وجود مثل هذا القانون فعليه أن يصدر حكمه على أساس المصادر الإسلامية الموثوقة والفتوى الصحيحة.
بمعنى أن الفتاوى والقوانين يتم التلاعب بها حسب مصلحة النظام، فالذي لا تسمح به الفتوى يمرر بالقانون، وبالتالي ببساطة يمكن للبرلمان الإيراني أن يمرر على الفور قانوناً يسمح للحكومة بامتلاك أسلحة نووية ووفقاً للدستور الإيراني، فإن مثل هذا القانون المقنن من شأنه أن يبطل أي فتوى تحظر برنامجاً نووياً. فهذه الأسس تم التأكيد عليها من قبل الأب المؤسس للنظام، الخميني: «الحكومة مخولة من جانب واحد لإلغاء أي اتفاقيات للشريعة أبرمتها مع الشعب عندما تتعارض هذه الاتفاقيات مع مصلحة البلاد».
إنه من الطبيعي أن نجد نظاماً ثيوقراطياً يستخدم الدين لضمان سيطرته وهيمنته، لكن المثير للدهشة أن نجد قادة غربيين مناهضين لتطبيق الدين بكل أشكاله في بلادهم يرددون فتاوى مرشد تحرم امتلاك السلاح النووي، وهو لم يتورع عن استخدامها لقمع شعبه.
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي.