باربارا سبينديل*
 
نشرت شركة «بان أميركا» العالمية للطيران عام 1967 إعلان توظيف كتبت فيه: «مطلوب مضيفة طموحة». وكانت لدى النساء خيارات محدودة في تلك الأيام، لكن كتابين رائعين يظهران كيف استفاد البعض مما كان متاحاً. يتتبع كتاب جوليا كوك، «معنا للتحليق حول العالم: قصة عهد الطيران لشركة بان أميركا» (Come Fly the World: The Jet-Age Story of the Pan Am) حكاية العديد من المضيفات (كما كن يعرّفن آنذاك) اللواتي تحملن اختبارات الوزن وغيرها من الإهانات للعيش والسفر بشكل مستقل. ويروي كتاب «باربيزون: الفندق حرر المرأة» أو (The Barbizon: The Hotel That Set Women Free) للكاتبة «بولينا برين» تاريخ الفنادق السكنية الأولى المخصصة للنساء فقط في مدينة نيويورك، والتي كانت، لعقود بعد افتتاحها عام 1928، بمثابة مقر الإقامة للآلاف من النساء اللائي أتين إلى المدينة لتحقيق أحلامهن. وكان فندق باربيزون معروفاً بإيوائه نوعاً معيناً من النساء: «شابة وجذابة ومن الطبقة المتوسطة إلى العليا». وكان الرجال ممنوعين من تجاوز الردهة إلى الداخل، رغم أن الكثيرين حاولوا ذلك. وكان الكاتب «جيروم ديفيد سالينجر» من بين أولئك الذين يترددون على مقهى الفندق في محاولة لمقابلة النساء. كان من بين عملاء باربيزون عارضات أزياء وكاتبات طموحات وطالبات في مدرسة كاثرين جيبس للسكرتارية، التي احتلت ثلاثة طوابق في المبنى. وبالنسبة لـ«فتيات جيبس»، فإن قضاء فترة في المدينة كسكرتيرة يمكن أن يمثل مرحلة فاصلة بين المدرسة والزواج. كانت علاقة الفندق الأكثر شهرة مع مجلة «مدموزيل» التي كان برنامج مضيفها المرموق يجلب 20 طالبة جامعية من جميع أنحاء البلاد إلى نيويورك في شهر يونيو من كل عام للعمل بالمجلة. كتبت برين أنه خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان البرنامج «أكثر منصات الإطلاق رواجاً للفتيات ذوات الطموحات الأدبية والفنية». من بين اللائي حصلن على المناصب المرغوبة، واللائي أقمن في باربيزون، جوان ديديون، وآن بيتي، وسيلفيا بلاث التي كانت روايتها «الناقوس الزجاجي» لعام 1963 سرداً خيالياً لصيف عام 1953 الذي قضته في نيويورك.
وتنسج «برين» بأناقة مقابلات مع مقيمين سابقين وأبحاثاً أرشيفية مع سياق حول الظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت تقيد النساء في منتصف القرن. إنها تكرس اهتمامها لكل من الساكنات الفاتنات، بما في ذلك «جوان كروفورد» و«جريس كيلي»، وأولئك اللواتي حاولن وفشلن في العيش بشكل مستقل. ووجدت أدلة على عدد من حالات الانتحار التي حاول الفندق إخفائها.
ومن السمات التي تصفها «برين» حول سكان باربيزون: التوق إلى فعل المزيد، ورؤية المزيد، والتقدم.. خاصة لدى النساء اللواتي ظهرن في ملفات «جوليا كوك» في «Come Fly the World». وفي الأيام الأولى للسفر الجوي، كان هذا العمل يقوم به الرجال، لكن مقالة واحدة عام 1933 في مجلة «أتلانتيك» الشهرية وافقت على تغيير المضيفين بمضيفات، ومراقبة المسافرين المتوترين، إذ «يشعر الركاب بالراحة.. إذا كانت مجرد فتاة لا تشعر بالقلق، فلماذا يجب أن يكونوا كذلك؟». كانت المناصب تنافسية: تلاحظ المؤلفة أنه في أوائل الستينيات، حصل 3-5% فقط من المتقدمات على الوظيفة، غالبيتهن من النساء البيض. وكانت 50 امرأة سوداء فقط يعملن كمضيفات في جميع شركات الطيران في الولايات المتحدة في عام 1965.
وتركز الكثير من روايات «كوك» الجذابة على الدور غير المعلن لهؤلاء النساء خلال حرب فيتنام. العديد من تلك الشخصيات -التي يقدم ذكاؤها وشجاعتها تصحيحاً للصور الجنسية المفرطة في التحيز والتي تم الترويج لها في الثقافة الشعبية (وغالباً من قبل شركات الطيران نفسها)– كن يعملن بانتظام على رحلات «بان أميركا» التي تنقل الجنود إلى رحلات البحث والتطوير في هونج كونج ومدن أخرى، وهو عمل خطير. وينتهي الكتاب برواية مؤثرة عن تورط النساء في عملية «بايبي ليفت» (أو عملية انتشال الأطفال)، التي قامت، في نهاية الحرب، بإجلاء عدة آلاف من الأيتام الفيتناميين من سايجون إلى الولايات المتحدة.
ما تقوله «برين» عن ساكنات باربيزون اللائي سبقن حركة تحرير المرأة ينطبق أيضاً على شخصيات «كوك»: «كانت القواعد واضحة، والتوقعات عالية جداً.. يجب على النساء الالتحاق بالجامعة، وممارسة نوع معين من العمل، ثم التخلي عنه للزواج». لم تكن هذه مجرد تقاليد: من الناحية القانونية، يمكن فصل المضيفات عندما يبلغن من العمر 32 أو 35 عاماً، اعتماداً على شركة الطيران، أو عندما يتزوجن.
كما تكتب «كوك» أن النساء اللائي خدمن في الرحلات الجوية كن قادرات على رؤية العالم أثناء الانتظار حتى «يتحول الوضع العام للمرأة في الوطن بما يكفي لاستيعاب طموحهن». وقد حدث ذلك بالفعل في النهاية، حيث انتظمت جماهير من النساء لتحدي التمييز بين الجنسين في جميع جوانب الحياة الأميركية.

*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»