مثّل حصول حكومة عبد الحميد الدبيبة على ثقة مجلس النواب الليبي خطوة جديدة على طريق التسوية السياسية للصراع في ليبيا، زادت الأمل في أن تكمل هذه العملية مسارها إلى نهايته بإجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم. والحقيقة أنه بقدر ما شهد عام 2020 تصعيداً في العمليات العسكرية والتدخل الخارجي، فإن شهوره الأخيرة شهدت تخفيضاً في التصعيد وخاصة اعتباراً من الاتفاق على وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي. كذلك بدأت جولات متلاحقة من الحوار شملت أطراف الصراع المحلية والإقليمية والدولية، وامتدت عبر مدن عديدة (عربية وأوربية) وأسفرت عن تفاهمات بلغت ذروتها بنجاح ملتقى الحوار برعاية أممية في انتخاب رئيس حكومة ومجلس رئاسي جديدين، ثم نجاح رئيس الحكومة المنتخب في طرح تشكيلته الحكومية على مجلس النواب الذي منحها ثقته في 10مارس الحالي. ورغم أمور كثيرة مازالت غامضة بسبب نقص المعلومات المؤكدة عن كثير من أعضاء الحكومة، فضلاً عن نواياهم الحقيقية التي مازالت طي الصدور، خاصة أن التصريحات العلنية لا تكون دائماً مطابقة لتلك النوايا، فإن المرء لا يمكنه إلا أن ينظر للنصف المليء من الكوب. ولا شك أنه من الإيجابي أن ينجح ملتقى الحوار أصلاً في انتخاب رئيس للحكومة ومجلس رئاسي جديدين، رغم بعض الملاحظات على درجة تمثيل أعضاء ملتقى الحوار للخريطة السياسية الليبية. ولا شك أيضاً أنه من الإيجابي أن ينجح رئيس الحكومة المنتخب في تشكيل حكومة رغم الانتقادات التي وُجهت لكثرة عدد أعضائها وأسلوب المحاصصة الجغرافية الذي اتُبِع في تشكيلها. ولا شك ثالثاً أنه من الإيجابي أن يلتئم البرلمان الليبي برئاسة عقيلة صالح، بعد أن ملأت حكومة السراج المنتهية ولايتها الدنيا تشكيكاً في شرعية البرلمان وشرعية رئيسه. ولا شك، رابعاً، أنه من الإيجابي أن تحصل الحكومة على ثقة البرلمان بأغلبية 132 صوتاً من 188 أي بأغلبية تفوق الثلثين (أكثر من 70%‏) فضلاً عن أن المعترضين لم يثيروا مشاكل بعد النتيجة. ولا شك، خامساً، أنه من الإيجابي كذلك أن يكون رئيس البرلمان الذي منح الثقة للحكومة أحد الخاسرين في الانتخابات الأخيرة، فقد خسرت القائمة التي تضمنته كمرشح لرئاسة المجلس الرئاسي، وهو مؤشر إيجابي على قبول مطلوب في هذه الظروف الحساسة لقواعد اللعبة الديمقراطية.
غير أن كل ما سبق من مؤشرات إيجابية، لا يجب أن ينسينا الصعوبات الجسيمة التي لا شك سوف تعترض مسار استكمال الحل السياسي وتهدده. فلا ننسى أن مؤسسات الدولة بالكامل في حاجة إلى إعادة بناء، وهي مهمة لا يمكن أن تكتمل بطبيعة الحال قبل إجراء الانتخابات، لكن الحد الأدنى منها مطلوب، سواء لتأمين إجراء الانتخابات أصلاً، أو لضمان توفير الخدمات الضرورية للشعب الليبي الذي عانى طويلاً في السنوات الماضية. وتبرز في هذا الصدد مهمة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وهي مهمة صعبة للغاية، وإن كان قد تم اتخاذ خطوات وتبنّي مقترحات بشأنها نتمنى أن يبدأ تنفيذها. وتزداد صعوبة المهمة بمشكلة الميليشيات التي صعب دائماً إدماجها في القوات النظامية، كما يبدو من خبرات صراعات أخرى في حالات غير الحالة الليبية. ومما يزيد المشكلة تعقيداً تصارع هذه الميليشيات فيما بينها رغم انتمائها لمعسكر واحد في الصراع، كما بدا من محاولة اغتيال فتحي باشاغا الشهر الماضي، ومن الصدام الأخير الذي تزامن مع منح الثقة لحكومة الدبيبة بين ميليشيا «أسود تاجوراء» و«الضمان»، وكلتاهما تتبعان ما كان يُسَمى بحكومة الوفاق. ومع ذلك، فإن المشكلة الأكبر تبقى وجود القوات الأجنبية والمرتزقة، وهو ما يحتاج نقاشاً تفصيلياً خاصاً.