سعدت بالمشاركة في ندوة افتراضية عن بُعد، من خلال استخدام التقنية الإلكترونية، من تنظيم الأمانة العامة لتحالف مراكز الفكر والثقافة العربية، في موضوع «النظام العالمي في ظل جائحة كورونا»، وبمشاركة العديد من المسؤولين والمفكرين. وقد ثمنَّا نحن أعضاء التحالف من دول الخليج والمغرب ومصر والأردن، المبادرة التي أطلقها مركز عيسى الثقافي بمملكة البحرين بتسمية الندوة باسم «ندوة معالي الدكتور جمال سند السويدي» نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية رئيس مجلس أمناء التحالف، وذلك وفاءً وتقديراً لجهوده العلمية والإدارية الزاخرة بالعطاء. 
وملتقياتنا التي لم تتوقف طيلة سنوات عدة، هي إيذان بضرورة تبني استراتيجيات فكرية بالدرجة الأولى، تستلزم منا تحالفاً فكرياً لبلورة استراتيجية فاعلة للإجابة عن معضلات البناء التنموي والنهضوي والوحدوي في إطار عقلانية مرنة تشمل الشكل والمضمون، والهياكل السياسية ومؤسساتها وعقلية وسلوك الجماعات والأفراد في الحاضر والمستقبل، ولدفع الواقع السياسي من لحظة التأزم والانسداد إلى لحظة النهوض وإقامة قواعد الأمن والاستقرار. 
ومن هنا كان موضوع الندوة حول النظام العالمي الجديد الذي جاد وأجاد المتداخلون من مشارق ومغارب العالم العربي التطرق إليه. والذي يحدث يكمن في أن البيئة الدولية الجديدة أصبحت أكثر ضبابية وأكثر تعقيداً من أي وقت مضى. وقد قلت في تدخلي: إن القوة بالمفهوم القديم لن يصبح لها أي معنى، إذ تكفي حروب على شكل هجمات إلكترونية، أو نشر أسلحة فيروسية يُجهل مصدرها للقضاء على الأخضر واليابس.
كما أن بعض الدول القوية كالولايات المتحدة الأميركية لن تتوفر على نفس الردع الاقتصادي والعسكري والحمائي، بل وحتى الثقافي، كما كانت عندها في السابق، ولن يعود للثنائية القطبية أو الأحادية القطبية نفس المدلول، مع صعود اقتصاديات الدول الآسيوية واقتصاديات أخرى، واتساع رقعة الأزمة المالية العالمية والتنافس التجاري العالمي، وتنامي الإجرام العالمي وعولمة الخدمات وتنامي دور الأفراد في العلاقات الدولية المقبلة. 
وستظهر الصين وبعدها روسيا في ظل هذه البيئة الدولية المعقدة على شكل قوتين ستثقان في نفسيهما ولربما استعملتا أسلحة ذكية لم تعهدها العلاقات الدولية من قبل. فروسيا، مثلاً، بدأت تؤثر بدرجة كبيرة في مسار العمليات السياسية في أقوى الدول الديمقراطية، وتسعى إلى أخذ البيانات والمعطيات التي تريد. ويعي الرئيس الروسي جيداً مفهوم القوة، وبالضبط المفهوم الذي أعطاه المنظر الأميركي الكبير جوزيف ناي، أي القدرة على تحقيق النتائج التي يريدها المرء. وتتباين الموارد التي تنتج هذه القوة في مختلف السياقات، فإسبانيا استغلت سيطرتها على المستعمرات وسبائك الذهب في القرن السادس عشر، وهولندا تربحت من التجارة والتمويل في القرن السابع عشر، وفرنسا استفادت من كثرة تعداد سكانها وجيوشها في القرن الثامن عشر، والمملكة المتحدة استمدت قوتها من سبقها في الثورة الصناعية ومن بحريتها في القرن التاسع عشر.. أما هذا القرن فيتسم بثورة فتية في تكنولوجيا المعلومات والعولمة.
ولا شك في أن جائحة فيروس كورونا سينتج عنها تراجع نسبي للولايات المتحدة خلال الأعوام المقبلة، مما سيؤدي إلى استمرار تآكل النظام العالمي الليبرالي وعودة الفاشية في بعض مناطق العالم. لكن هذا لن يمنع من ولادة جديدة لليبرالية. فالأزمات الكبيرة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير متوقعة في العادة. فالكساد العظيم أدى إلى انبعاث النعرات الانعزالية والقومية والفاشية وإلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. غير أن ذلك الكساد نتج عنه إطلاق مجموعة من البرامج الاقتصادية في أميركا عُرفت باسم «الصفقة الجديدة»، وبروز الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى، وتصفية الاستعمار في نهاية المطاف. 
إن رؤية صناع السياسة الدولية اليوم، يجب أن تتضمن نظرة موضوعية للبيئة الحالية، وتقويماً مسبقاً لنتائج الاستمرارية والتغيير داخل هذه البيئة، بصورة تضمن ازدهار المصالح في المستقبل. ومع أننا مع المدرسة التي تقول بأن المستقبل لا يمكن التنبؤ به على نحو دقيق، فإنني أعتقد جازماً بأنه يمكن التأثير فيه، وتشكيل ملامحه للوصول إلى نتائج تحقق مصالحها الاستراتيجية. هذه هي القاعدة التي تؤمن بها الدول الغربية، ولروسيا فيها قدم سبق في عالم سماته قائمة على رباعية التقلب والتوجس والتعقيد والغموض.