على الرغم من أن جو بايدن تولّى رئاسة الولايات المتحدة قبل شهرين فقط، فإنه تمكن من خلق سردية جديدة ذات تأثير واسع بخصوص الكيفية التي ينوي أن يدير بها البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة. فأمام وباء فظيع أصاب قرابة 30 مليون أميركي وقتل أكثر من نصف مليون وأدى إلى تعطل الاقتصاد، شعر الرئيس بايدن بأنه ليس لديه خيار غير اتخاذ تدابير جذرية لمعالجة هاتين الأزمتين. 
وهكذا، وقّع بايدن في الحادي عشر من مارس الجاري «قانون خطة الإنقاذ الأميركي» لعام 2021. هذه الخطة، والتي تبلغ قيمتها 1.9 تريليون دولار، تمثّل مقاربة جديدة دراماتيكية لحل مشاكل أميركا الداخلية، وتشمل إغاثة مالية قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى ستؤثّران على كل الأميركيين وبخاصة أولئك الموجودين على الطرف الأدنى من جدول الأجور. ويكمن التأثير الفوري للقانون الجديد في توفير شيكات بقيمة 1400 دولار لملايين الأميركيين. وقد شُرع في توزيع الكثير من هذه الشيكات خلال الأيام الماضية، وهو ما من شأنه أن يساهم في دعم الاقتصاد الاستهلاكي. كما ستموّل الأموال الجديدة تكاليف برنامج التلقيح على الصعيد الوطني، والذي يوجد الآن في طريقه إلى توفير لقاحات لأغلبية المواطنين الأميركيين. 
أما التأثيرات طويلة المدى، فستكمن في الضخ الكبير للأموال في ميزانيات الولايات والمدن المضغوطة التي تعاني من انخفاض شديد في عائدات الضرائب. وهذا بدوره سيساعد نظام النقل الجماعي بالغ الأهمية على البقاء، والمدارس على إعادة فتح أبوابها في ظل إجراءات سلامة جديدة ودعم أكثر لتكاليف رعاية الأطفال والرعاية الصحية. 
«قانون الإنقاذ» مرِّر في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ من دون دعم من «الجمهوريين» الذين يحتجون بأن المبالغ المالية المخصصة تفوق بكثير ما هو ضروري للتخفيف من الأزمات الفورية، ويرون أن معظم الأموال التي في التشريع ستخصص لدعم برامج «اشتراكية» لا علاقة لها بالوباء! والنتيجة في رأيهم ستكون ارتفاع الدَّين الوطني، وتحفيز دورة جديدة من التضخم، واضطرار الحكومة الفدرالية في نهاية المطاف لرفع معدلات الفائدة والضرائب من أجل السيطرة على التضخم.. وكل هذا سيؤدي إلى ضغط ركود جديد ولن يحل المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلاد. 
لكن بايدن يراهن على رد إيجابي من الشعب الأميركي الذي سيقف على الفرق الكبير بين مقاربته الخاصة للحكومة الفدرالية القائمة على التدخل المباشر، وسياسة إدارة ترامب التي كانت ترى أن معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تكون أفضل إذا تولّتها حكومات الولايات والحكومات المحلية وليس واشنطن. وتمثّل مقاربة بايدن دحضاً للأعوام الأربعين الماضية، عندما كان الاعتقاد السائد، منذ إدارة ريغان بداية من عام 1981 أن الحكومة الكبيرة هي سبب معاناة البلاد من انعدام الكفاءة والأزمات في الاقتصاد، وأن تقليص حجم الحكومة الفدرالية ودورها هو أفضل طريقة لتشجيع المنافسة والابتكار في مكان العمل. 
خلال تلك الفترة، سعت كل من الإدارات «الجمهورية» و«الديمقراطية» إلى الحد من حجم الحكومة الفدرالية ونطاقها، لكنها وجدت أنه من الصعب القيام بذلك، بالنظر إلى التكاليف المتزايدة لدعم الضمان الاجتماعي، و«ميديكير»، و«ميديكإيد»، ووزارة الدفاع. وبعد صدمات ركود عام 2008 ووباء عام 2020 وتأثيره على صحة البلاد واقتصادها، أصبح كثير من الناس يؤمنون على نحو متزايد بأنه بات من الضروري إعادة التفكير في الفكرة التي تقول بضرورة تقليص اللوائح التنظيمية والميزانية الفدرالية. وبدلاً من ذلك، وعلى غرار «الصفقة الجديدة» التي أتى بها فرانكلن روزفيلت، أصبح كثير من الأميركيين يرون أن مشاكل البلاد تتطلب تدخلاً حكومياً أكبر، وبالتالي ميزانيات أكبر من أجل معالجة القائمة الطويلة من المشاكل التي تواجهها البلاد، بما في ذلك الرعاية الصحية، والبنية التحتية، والمدارس، والعنف الداخلي. 
ويبدو أن بايدن عاقد العزم على تقديم حججه بخصوص إيجابيات «حكومة أكبر حجماً ودوراً»، ويريد أن يُظهر للجمهور أنها أكثر أمناً وصحة وازدهاراً تحت حكمه. غير أنه لا يملك كثيراً من الوقت لإقناع الناخبين بأن مقاربته هي الأفضل لأميركا، بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات النصفية المرتقبة العام المقبل.