إذا كان الجنرالات في ميانمار قد اعتقدوا أن الاستيلاء على السلطة سيكون سهلاً، فمن الواضح أنهم كانوا مخطئين، إذ يبدي مواطنو هذا البلد قدراً مذهلاً من التصميم في مقاومة الانقلاب العسكري الذي داس على ما كان ديمقراطية فتية وهشة وغير مثالية. فيوماً بعد يوم، يخرج المحتجون إلى الشوارع لمطالبة الجنرالات بإعادة ممثليهم المنتخَبين بطريقة ديمقراطية إلى السلطة، ويواصلون احتجاجاتهم السلمية رغم إطلاق قوات الأمن النار على الحشود. إذ قُتل حتى الآن أكثر من 150 متظاهراً. واللافت أن الاحتجاجات شملت إضرابات شلّت الحركة، وأدت إلى التوقف عن العمل أو إبطائه بشكل متعمد، وهو رد ما يزال متواصلاً رغم استخدام الجيش للعنف. ومن الصعب ألا يخلص المرء إلى أن المعارضة ليست على وشك الانسحاب بهدوء.
والواقع أن الجيش في ميانمار (بورما سابقاً) لديه تاريخ طويل من انتهاكات حقوق الإنسان. ولا بد أن قادة الانقلاب اعتقدوا أن قليلاً من الترهيب سيكونان كافيين لحمل الناس على العيش تحت سيطرتهم من جديد. غير أنه لا شيء من ذلك قد حدث. «إن الجيش عبث مع الجيل الخطأ هذه المرة»، هكذا قال لي شاب بورمي. 
ولكن الشباب، الذين تزعموا الانتفاضات السابقة، ليسوا لوحدهم في هذه المعركة. فقد جلبت الاحتجاجات الملايين إلى الشوارع. وشارك في إضراب وطني مؤخراً أطباء، وسائقو حافلات، وعمال نظافة، وطباخون. البلاد كلها يبدو أنها باتت ترفع شارة الأصابع الثلاثة، رمز المقاومة، التي استعيرت من أفلام «ألعاب الجوع». وحتى سفير ميانمار إلى الأمم المتحدة «كياو مو تون» رفع الشارة الأيقونية في الأمم المتحدة، داعياً المجتمع الدولي إلى «استخدام أي وسيلة ضرورية» من أجل استعادة الديمقراطية. الطغمة العسكرية الحاكمة طردته، لكن خلَفه استقال من منصبه. والأمم المتحدة ما زالت تعترف به باعتباره المبعوث الشرعي للحكومة المنتخَبة، وإنْ كان الكثيرون في تلك الحكومة يوجدون رهن الاعتقال. 
ويدرك النشطاء المطالبون بالديمقراطية أن إزالة آثار الانقلاب قد تستغرق عقوداً إذا سُمح له بالبقاء. فقد عاشوا سنوات القمع والبؤس الطويلة التي سبقت اتفاق 2011 بين الجيش و«الرابطة الوطنية للديمقراطية» بزعامة «أونج سان سو كي»، والذي شكّل بداية عملية الدَّمقرطة في البلاد. إذ وافق الجنرالات على السماح لـ«سو كي»، زعيمة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في عام 1988 وابنة بطل تحرير البلاد من البريطانيين، والتي تحظى بالتقدير والاحترام، بالخروج من الإقامة الجبرية بعد أن قضت 15 عاماً في الاعتقال. 
وحدث الانقلاب بعد أن تلقى مرشحو الجيش هزيمة كبيرة في انتخابات نوفمبر الماضي. وعلى ما يبدو، فقد فوجئ الجنرالات، الذين لديهم ميل إلى سوء التقدير، بالخسارة. وفي الأول من شهر فبراير اعتقلوا «سو كي» ومسؤولين منتخَبين آخرين، وحلّوا البرلمان، واستولوا على السلطة. وبذلك، وضعوا حداً لمسيرة ميانمار غير المكتملة نحو الديمقراطية. 
والواقع أنه سبق للجيش أن نظّم مسرحية مماثلة من قبل. فبعد احتجاجات حاشدة مطالِبة بالديمقراطية في عام 1988، قمعها بوحشية، وافق الجنرالات على انتخابات أجريت في 1990. وربما توقعوا فيها نتائج أفضل. غير أنه عندما دعم الناخبون حزب «سو كي» بأغلبية كبيرة، لجأ الجيش، الذي يبدو أنه فوجئ بالنتيجة، إلى القمع بقوة وأحكم قبضته على البلاد. 
آنذاك، أبدت حركة الديمقراطية مقاومة، وفرضت بقيةُ العالم عقوباتٍ اقتصادية قاسية، لكن البلاد بقيت تحت قبضة الجيش. وتطلّب الأمر من أنصار الديمقراطية، ومعهم المجتمع الدولي، أكثر من 20 عاماً لإرغام الجيش على التزحزح. 
لكن، هل يملك المحتجون فرصةً هذه المرة؟ 
الواقع أن المتظاهرين المعارضين للانقلاب أظهروا أن لديهم القوة لشل الاقتصاد. وفي المقابل أظهر الجيش بأن لديه القوة والإرادة لقتلهم. ففي يوم الأحد الماضي وحده قتلت قوات الأمن ما يقدر بـ50 شخصاً عبر أرجاء البلاد. وهي حصيلة من المحتمل أن ترتفع أكثر مع مرور الأيام.
ويوم الاثنين الذي تلاه، وسّع المجلس العسكري الحاكم نطاق القانون العرفي. وليس هناك مؤشر حتى الآن على أن الجنرالات مستعدون لتقديم تنازلات. 
غير أنه من خلال ممارسة الضغط من الداخل، يرفع مواطنو ميانمار كلفة الانقلاب، خالقين بذلك فرصة للمجتمع الدولي لممارسة الضغط على العسكريين أيضاً. ولا شك أن جهودهم تستحق دعم العالم. وقد فرضت عدة بلدان، مثل الولايات المتحدة، عقوبات.
لكن الصين هي التي تمتلك أكبر قدر من التأثير على النظام، ولا شك في أنها ترغب في أن تظل ميانمار مستقرةً وتستمر في ضخ الغاز والنفط في اقتصادها المتعطش للطاقة. وقد اعتبرت الصين أن الانقلاب الأخير مسألة داخلية تهم ميانمار، ووصفته بأنه «تعديل حكومي»، وعرضت خطوة للتنديد به من قبل مجلس الأمن الدولي. لكن ذلك بدأ يتغير، ففي ما قد يكون شكّل مفاجأة للجنرالات، صوّتت الصين الأسبوع الماضي لصالح بيان صادر عن مجلس الأمن يطالب الجيش بالعدول عن الانقلاب وبالتحلي بـ«أكبر قدر من ضبط النفس». كما دعا وزير الخارجية الصيني «وانج يي» إلى الحوار حتى تستطيع ميانمار دعم الانتقال الديمقراطي. 
وهكذا، أصبح الإمساك بالسلطة أكثر تعقيداً مما كان يتوقعه الجنرالات. 
وعندما سألتُ أحد النشطاء المطالبين بالديمقراطية حول ما إن كان متفائلاً بشأن فرص نجاحهم، كان جوابه هادئاً: «إنني لستُ متفائلاً بأن الجيش سيستسلم، لكنني متفائل بأننا سنقاتل حتى النهاية!».


*صحافية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس