بدت إدارة الرئيس جو بايدن مرتبكةً في أسابيعها العشرة الأولى تجاه كل من الصين وروسيا. إشارات متضاربة، وإن لم تكن متناقضة، فضلاً عن أنها لا تُخفي اتجاهاً إلى تصعيد بدأ مبكراً، وفي وقت واحد بالمخالفة لسياسة انتهجتها كثير من الإدارات السابقة، منذ أن شرعت إدارة ريتشارد نيكسون في تحسين العلاقات مع الصين عبر ما أُطلق عليها «دبلوماسية البينج بونج» منذ نحو نصف قرن، لتتفرغ لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق.
لم تسمع إدارة بايدن نصائح سياسيين أميركيين مخضرمين يُفضِّل بعضهم تسوية الخلافات مع الصين على نار هادئة، وتجريب اتخاذها شريكاً في معالجة أزمات تهم الولايات المتحدة مثل إيران وكوريا الشمالية وبورما وغيرها، فيما يرى بعض آخر التهدئة مع روسيا للتركيز على التهديد الصيني. لكن الفريقين يتفقان على أنه ليس من الحكمة الاتجاه إلى تصعيد متزامن ضد كل من الصين وروسيا في آن معاً، لكي لا تضطرا إلى إدارة التنافس بينهما بطريقة جديدة تُتيح تعاونهما ضد الولايات المتحدة، وحتى لا تستغل أطراف أخرى هذا التصعيد لعقد صفقات مع أي منهما، على نحو يُلحق الضرر بمصالح الولايات المتحدة وسياستها في هذه المنطقة أو تلك. وهذا ما شرعت فيه إيران فعلاً عندما توصلت قبل أيام إلى «الوثيقة الشاملة للتعاون» مع الصين لمدة 25 عاماً، والتي توصف في طهران بأنها اتفاق استراتيجي.
ورغم عدم نشر تفاصيل هذه الوثيقة، وأخذاً في الحسبان تسريبات أفادت أنها تمنح الصين امتيازات في موانئ إيران ومطاراتها، وفي بنيتها التحتية إجمالاً، مقابل مزايا استثمارية وتجارية تحصل عليها طهران، فهي تُعد أول أثر عكسي لارتباك إدارة بايدن في التعامل مع بكين وموسكو، واتجاهها إلى التصعيد ضدهما في الوقت نفسه. وقد يزداد هذا الأثر في حالة انضمام روسيا إلى الاتفاق الصيني الإيراني بشكل أو بآخر. ورغم أن هذا الاحتمال محدود في اللحظة الراهنة، يصعب استبعاده تماماً في وقت لاحق في ظل الجسور المفتوحة بين موسكو وطهران على خلفية التعايش بينهما في سوريا، وفي حالة تمكن روسيا والصين من التفاهم على نوع من التعاون ضد الولايات المتحدة.
وإذا أعادت إدارة بايدن تقييم موقفها تجاه الصين وروسيا بعد مائة يوم الأولى، أو في فترة تالية، ربما تتجه إلى مراجعة الميل التصعيدي المتزامن ضدها، خاصة أنه يعود إلى أسباب داخلية أكثر منها دولية، سعياً إلى إظهار تفوق على الإدارة السابقة، وإرضاء قطاع من مؤيدي بايدن الذين يؤمنون بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016، وحاولت أن تُعيد الكرّة في انتخابات 2020، أو من يُدغدغ خطاب حقوق الإنسان مشاعرهم.
ولن تكون هذه المراجعة صعبةً حال إدراك ضرورتها، لأن التصعيد مازال لفظياً بالأساس، وحدث في حالة روسيا بطريقة غير معهودة في العلاقات بين الدول، ولم يسبق له مثيل حتى في ذروة الحرب الباردة، إذ وصف بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «قاتل بلا قلب»! 

وكذلك الحال بالنسبة إلى التصعيد ضد الصين، إذ كانت ذروته في هجوم حاد شنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على سياسة الصين الخارجية وأوضاع حقوق الإنسان داخلها، على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام، في جلسة افتتاح مؤتمر للحوار الاستراتيجي عُقد في ألاسكا يومي 19 و20 مارس الماضي. وأدت حدة هذا الهجوم العلني إلى رد صيني شديد بدوره، ومن ثم توتر الأجواء في حوار لا جدوى له ما لم يكن هادئاً وهادفاً، خاصةً أنه ضم كبار المسؤولين عن السياسة الخارجية والأمن القومي في الدولتين. 

أما التصعيد الفعلي الذي حدث، عبر تفعيل مجموعة الحوار الأمني الرباعي التي تضم أستراليا والهند واليابان إلى جانب أميركا، على نحو يشي بسعي إلى الإسراع في بناء طوق حول الصين، فكان في الحدود المعقولة لتنافس قال بايدن في مؤتمره الصحفي الأول في 24 مارس الماضي إنه سيكون أساس السياسة الأميركية تجاه بكين، رغم أن الاتجاه العام لخطاب إدارته صدامي لا يعبر عن هذا المعنى، بما فيه بعض ما ورد في ذلك المؤتمر نفسه.

وستكون مراجعة التصعيد اللفظي مفيدة للولايات المتحدة، خاصة إذ اقترنت بتحديد أكثر دقة لما تمثله كل من الصين وروسيا بالنسبة إليها، وهل هما منافسان يُمثَّل كل منهما تحدياً، أو عدوين، وبأي مستوى من العداء، لأن الأعداء في العلاقات الدولية ليسوا في مرتبة واحدة.