سيكون للاتفاق الصيني الإيراني الموقع مؤخراً تداعيات على مستوى المنظومة الدولية، وخاصة الأميركية، إذ إن ما أعلن من بنود الاتفاق سيساهم في إعادة ترتيب الخيارات الأميركية، خاصة أن الجانبين لديهما خبرات متراكمة وقدرات يمكن أن تصدر أزمة بنيوية للعلاقات مع الإدارة الأميركية المرتبكة في التعامل مع الجانبين، حيث ما تزال واشنطن تتبنى خطاباً تصعيدياً من دون إجراءات جوهرية، ولم تنجح بعد الإدارة في صياغة رؤية متكاملة في التعامل، فما زالت الإدارة تكرر خطاباً مفتوحاً مع الصين حول الاتفاقيات المشتركة، وتصويب مسار الرسوم الجمركية دون أن تجرؤ على تبني إجراءات محددة، أو اتخاذ إجراءات لفض الارتباط الهيكلي ولو مرحليا مع الاقتصاد الصيني، مع استمرارها في التعامل - بصرف النظر عن الإعلان عن الاستعانة باليابان والاتحاد الأوروبي، وبل والهند لمحاصرة الحركة الصينية- وهو ما دفع الصين لاتباع (الخطة باء) في الاستمرار في الضغط على الإدارة الأميركية، وإفشال مخططها في مواجهة دول الآسيان بأكملها.
في المسار نفسه قامت إيران باتباع نموذج الرشادة السياسية، والاتجاه إلى الضغط علي الإدارة الأميركية للتعجيل بالعودة للاتفاق النووي مرة أخرى، والعمل على رفع كامل لمنظومة العقوبات، وبالتالي فإن التحرك الإيراني يمضي في سياق محدد، ما سيدفع الإدارة الأميركية للتحول لتجزئة الخيارات المطروحة بدلاً من الاستمرار في إدارة مشهد مفتوح، ومحاولة دفع إيران لحافة الهاوية، خاصة وأن إيران ستشهد انتخابات رئاسية حاسمة ربما ستدفع للتشدد كخيار في مسار لعبة الشد والجذب الراهنة.
لدى الصين وإيران لديهما خبرات وإمكانيات لتوجيه رسائل إلى الإدارة الأميركية بل وللاتحاد الاوروبي للضغط على الإدارة الأميركية لتحديد مسارات التحرك، وعدم التماهي مع الطرح الأميركي، فبالنسبة للصين تدرك جيداً أن دول الاتحاد الأوروبي لديها فرصة جيدة لإعادة مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة على أسس جديدة، ورؤية أكثر مصلحية بدلاً من المضي قدماً في مسار واحد مع الإدارة الأميركية، خاصة وأن الولايات المتحدة ستتعامل مع الاتحاد الأوروبي وفقاً لقاعدة (التكلفة/ النفقة/ العائد) مع إعادة الأمور في نصابها لحلف «ناتو»، وبالتالي ترى الصين أن الفرصة قائمة ومستمرة في تصويب مسارات العلاقات، وعدم الاستمرار بهذه الصورة لإحداث نقلة نوعية في مسارات العلاقات الدولية، وبما يحدد رؤية دول الاتحاد في إدارة العلاقات المستقبلية على أسس حقيقية، وهو أيضاً منطق ستتعامل به إيران، والتي ترى أن الجانب الأوروبي قطع شوطاً كبيراً في التعامل في الملف النووي، وحرص علي الإستمرار بعد الانسحاب الأميركي في وقت إدارة ترامب، وبالتالي فإن الفرصة ما تزال قائمة للاتحاد الأوروبي لمزيد من الضغط وفقا لمصالح أوروبية أميركية في التوصل لاتفاق جديد، أو العودة للسابق وفق صيغة جديدة.
الصين وإيران تعملان على أهداف سياسية واضحة، وتتحركان على قاعدة مصلحية خاصة وأن الاتفاق الراهن ليس فقط وليد اليوم، ويعود إلى يناير 2016، وقد نص الاتفاق على تعاون واستثمارات متبادلة في مختلف المجالات، وتضمن الاتفاق خريطة طريق متكاملة وذات أبعاد اقتصادية وسياسية التي تعد المحور الأساس لها.
الاتفاق خطوة لإنقاذ الاقتصاد الإيراني عبر محاولة تأمين تدفقات صادرات النفط الإيراني للصين، وفي المقابل هناك مصالح صينية في العمل علي معالجة مشكلة الفائض في القدرات الإنتاجية التي تُعاني منها الشركات الصينية العاملة في مجالات البنية التحتية، والتزام إيران بضمان ضخ النفط إلى الصين بأسعار تنخفض عن الأسعار العالمية. ولعل كل ما سبق سيكون له رد فعل علي المستوى الأميركي من أن الاتفاق الموقع بين الصين وإيران يمكن أن يعمق نفوذ الصين في الشرق الأوسط، ويقوض الجهود الأميركية لإبقاء إيران معزولة، لأنه في حال نجاح الدولتين في تأسيس نموذج من الشراكة سوف يؤدي إلى تشجيع دول أخرى في المنطقة على إعادة التفكير في خياراتها الاستراتيجية، للحاق بإيران إلى بكين، وتطوير العلاقات معها ومع الصين.* أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والاستراتيجية.