قبل ما يزيد على أسبوعين أعلن الرئيسُ الأميركي جو بايدن أنه ستكون لدى الولايات المتحدة لقاحات كافية لكل مواطن أميركي بالغ بحلول نهاية مايو المقبل. ومن المتوقع أن تحذو حذوها قريباً دولٌ غنية أخرى، بعد أن اشترت ما يكفي من اللقاحات لتطعيم سكانها عدة مرات. وبالمقابل، لم تجد البلدان منخفضة الدخل بعد سبيلا إلى المناعة الجماعية قريبا. ويقول خبراء إنه بدون تغييرات مهمة في السياسة الحالية، فإن البلدان الفقيرة قد لا تتلقى التلقيح ضد فيروس كورونا حتى 2023 أو 2024. 
وعليه، فيجب علينا أن نقوم بتغييرات أساسية الآن من أجل تقويم هذا الاختلال وتلافي كارثة صحة عامة. ثم إن تلقيح الجميع عبر العالم ليس واجبا أخلاقيا وحسب، وإنما هو ضروري من أجل إنهاء الوباء، وخاصة مع وصول أنواع جديدة من فيروس كورونا المستجد اكتُشفت أولا في البرازيل وبريطانيا وجنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة. 
في منظمة التجارة العالمية، عرقلت الولايات المتحدة ومعها عدد صغير من البلدان الغنية التي لديها وصول سهل إلى اللقاحات مقترحاً من الهند وجنوب أفريقيا بخصوص إعفاء مؤقت للبلدان من واجب احترام براءات الاختراع بخصوص التكنولوجيات المرتبطة بالتصدي لكوفيد- 19، بما في ذلك اللقاحات، خلال الوباء. ولكن ينبغي على إدارة بايدن أن تتخلى عن معارضتها للإعفاء، كما ينبغي على أعضاء منظمة التجارة العالمية تمريره بسرعة. 
فقبل عقدين، وفي وسط أزمة الإيدز، أكد «إعلان الدوحة» الصادر عن منظمة التجارة العالمية أن قوانين الملكية الفكرية «ينبغي ألا تمنع الأعضاء من اتخاذ تدابير لحماية الصحة العامة». ولكن توضيح حق الدول في إصدار رخص إلزامية وصنع (أدوية جنيسة) جاء متأخراً: ذلك أن أكثر من 5 ملايين شخص في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ماتوا جراء الإيدز خلال انتظار توضيح منظمة التجارة العالمية لقوانينها. 
الآن نحن وسط حالة طوارئ صحية عالمية أخرى. وثلثا أعضاء منظمة الصحة العالمية يدعمون إعفاء من قوانين براءات الاختراع خلال الوباء، ولكن الولايات المتحدة وآخرين يحتجون بأن براءات الاختراع أساسية من أجل الابتكار ولا تبطئ إمداد العالم باللقاحات. غير أن كلا الادعاءين غير صحيحين. 

فأولاً، لعبت براءاتُ الاختراع دورا صغيرا جدا في تحفيز تطوير البرنامج الحكومي للقاحات فيروس كورونا، إن كان هناك أصلا أي دور. فلقاح «موديرنا» موِّل من قبل الحكومة الأميركية بشكل كامل تقريبا، إضافة إلى مليون دولار تبرعت بها المغنية «دولي بارتون». وبالتالي، فمن غير اللائق أن تحتكر شركة خاصة تكنولوجيا موّلها دافعو الضرائب. والحق أن «موديرنا» نفسها تعترف بهذا الأمر، إذ أعلنت أنها لن تسعى إلى فرض احترام براءات اختراع لقاحها.
كما تحتج الولايات المتحدة بأن الإعفاء غير ضروري على اعتبار أن بلدانا مثل الهند تستطيع الشروع في إنتاج لقاحات فيروس كورونا لسكانها، وتصديرها إلى البلدان النامية تحت قوانين منظمة التجارة العالمية الحالية. والحال أن الآلية الحالية ثقيلة وبطيئة، والتطبيق قد يستغرق سنوات. غير أن الإعفاء من شأنه أن يسمح لشركات (الأدوية الجنيسة) بأن تشرع في صنع اللقاحات وتوزيعها في أسرع وقت ممكن. 
وأخيرا، تحتج الولايات المتحدة ومعارضون آخرون بأنه حتى إذا حصلت شركة الأدوية الجنيسة على براءات الاختراع، فإنه لا يوجد من يستطيع صنعها. ويشيرون إلى أن تكنولوجيا مرسال الحمض النووي الريبي mRNA التي تميز بعض اللقاحات الجديدة جد معقدة لدرجة أن حتى شركات الأدوية الجنيسة المحترمة لا تستطيع صنعها. وهذا يقودنا إلى الخطوة الضرورية التالية، ألا وهي: نقل التكنولوجيا. 
فتقاسم التكنولوجيا مع البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط ممارسة معتادة بخصوص كثير من الأدوية. وعلى سبيل المثال، فإن شركة «غيلياد ساينسز» تقاسمت التكنولوجيا لمساعدة المصنعين في مصر والهند وباكستان على صنع دواء «ريمديسيفير» وبيعه كعلاج لكوفيد 19 العام الماضي، وقد فعلت شركة مملوكة جزئيا لـ«فايزر» الشيء نفسه بالنسبة لأدوية «إتش آي في». ولأن اللقاحات أصعب في الصنع من أدوية الإيدز، فإن تقاسم التكنولوجيا أمر أساسي. 
ولأنها موّلت عملية التطوير المهمة للقاح، فإن الحكومة الأميركية تمتلك النفوذ لدفع الشركات إلى فتح لقاحاتها للعالم. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها ستساعد بالخبرة، ويمكن لشركات مثل «موديرنا» و«فايزر» و«جونسون آند جونسون» أن تتلقى عائدات على المبيعات. غير أن ما يجب عليها أن تتجنبه هو منع المنتجين في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية من صنع لقاحات منقذة للأرواح وتصديرها إلى جيرانهم. 
إننا لا نستطيع تكرار أخطاء الماضي. ومثلما اقتضت أزمة الإيدز في أفريقيا «إعلان الدوحة»، فإن كوفيد 19 يتطلب إعفاء مؤقتا من الملكية الفكرية من منظمة التجارة العالمية، وجهدا شجاعا لتقاسم الخبرة – ليس في 2024، ولكن الآن. فعصر كوفيد 19 ينبغي أن يغيّر الطريقة التي نفكر بها في براءات الاختراع والصحة العامة. فحقوق الملكية الفكرية ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما مجرد أدوات لدعم ازدهار البشر.
ماثيو كافانا*
ـ ـ ــ. ـ ــ. ـ ـ
*مدير «مبادرة سياسة الصحة العالمية والسياسة» بـ«معهد أونيل لقانون الصحة الوطنية والعالمية» التابع لجامعة جورج تاون الأميركية
مادفاوي سوندر**
**عميدة البرامج الدولية والدراسات العليا وأستاذة القانون بمركز القانون في جامعة جورج تاون

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»