الهند واقعة في أسر موجة ثانية سريعة الانتشار من فيروس كورونا. وتشهد البلاد معدلات قياسية من الصعود في حالات الإصابة اليومية. وعدد الإصابات اليومية تجاوز 150 ألفاً مما أدى إلى عمليات إغلاق جزئية وإجراءات طوارئ. والحكومة الاتحادية وحكومات الولايات تسعى جاهدة لاحتواء ذروة الجائحة في الهند التي مازالت واحدة من أسوأ الدول تضرراً من فيروس كورونا. فالبلد الآسيوي العملاق يسجل حالياً سدس حالات الإصابة في العام كل يوم. والأزمة مازالت تتكشف فصولها مع تصاعد الضغوط على قطاعي الصحة العام والخاص. وهذه المرة، تنتشر الجائحة على امتداد البلاد بضراوة لم تشهدها البلاد حتى العام الماضي، حين كانت حالات الإصابة لا تتجاوز 95 ألف حالة يومياً. وحالياً، تمثل الهند ثاني أكثر الدول تضرراً في العالم بعد البرازيل. ومن أسباب هذا الارتفاع في حالات الإصابة ظهور سلالات جديدة أدت إلى سرعة كبيرة في انتشار الفيروس. 
ولاشك في أن عدم الحذر في الاجتماعات الكبيرة أثناء الاحتفال بالمهرجانات وفتح الأماكن العامة مثل قاعات العرض السينمائي والمطاعم والأسواق، كل هذا ساهم في التصاعد الكبير في الآونة الأخيرة في حالات الإصابة. وأيضاً هناك الاجتماعات السياسية الحاشدة التي شهدتها خمس ولايات مع اقتراب إجراء الانتخابات فيها ومساهمة حشود كبيرة في هذه التجمعات الانتخابية التي لا تلتزم بإجراءات الوقاية المعروفة من كوفيد-19. وصاحب هذا شعور سواد الشعب في البلاد بالإرهاق من الجائحة حيث يصعب تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي بينهم في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. 

وهذه الموجة الثانية تأتي في الوقت الذي استخدمت فيه الهند أكثر من 100 مليون جرعة لقاح منذ يناير في محاولة لتعزيز برنامج اللقاح لإعطاء قطاع أكبر من السكان نوعاً ما من الوقاية. صحيح أن البلاد هي الثالثة في ما يتعلق بمعدل إعطاء اللقاح لسكانها لكن هذا ما زال غير ملائم نظراً لعدد سكان الهند الكبير. ومع تصاعد الحالات، حظرت الهند تصدير العقار المضاد للفيروس «ريمديسيفير» ومكوناته الفاعلة التي يستخدمها الأطباء في علاج مرضى الفيروس. وأبطأت الهند مسعى دبلوماسية إرسال لقاحات لدول أخرى في الوقت الذي تبحث فيه تغطية احتياجاتها الداخلية المتصاعدة. 

وذكرت الحكومة الاتحادية أن البلاد لا تواجه عجزاً في العقاقير لكن هناك تقارير تحدثت عن اضطرار ولايات كثيرة إلى إغلاق مراكزها لإعطاء اللقاح ليس هذا لشيء إلا لعدم توافر اللقاحات. وهناك شعور لدى كثيرين بتكرر الموقف، مع عدم توافر الأسرّة بالمستشفيات والإشغال الكامل لوحدات العناية المركزة وانهيار الترتيبات الطبية البديلة. وهناك نقص أيضاً في إمدادات الأكسجين، كما تصاعد الرعب مع الانتشار الواسع للمرض. والسؤال الآن هو هل تستطيع الهند حماية الأكثر عرضة للإصابة بالمرض؟ 

والمخاوف من الإغلاق التام دفعت العمال المهاجرين إلى العودة إلى قراهم من المراكز الصناعية والمدن. وتضرر الفقراء بشكل غير متناسب من فيروس كورونا بسبب الفرض المفاجئ للإغلاق الماضي. ففي ذاك الحين، سافر مئات الآلاف من العمال المهاجرين عائدين إلى قراهم في مواجهة صعوبات هائلة بعد خسارة وظائفهم. وبعد العودة إلى قراهم وبلداتهم، مكث العمال هناك دون عمل. لكن مع تخفيف حدة الإغلاق واستئناف التركيز على اقتصاد الهند، بدأ المهاجرون يعودون ببطء إلى المدن ويتطلعون إلى العمل. لكن يُخشى الآن حدوث هجرة معاكسة من جديد مما يخلق مشكلات أخرى للاقتصاد. 

ويتوقع أن تعرقل ثاني موجة من كورونا التعافي الاقتصادي في الهند الذي كان من المتوقع أن يصبح أسرع اقتصادات العالم نمواً. فقد توقع صندوق النقد الدولي، في وقت مبكر من هذا العام، أن تحقق الهند نمواً يبلغ 12.5% في عام 2021 ثم يحقق نمواً بنسبة 6.9% في عام 2022. وهذه النسب تفوقت على النسب المتوقعة للاقتصاد الصيني. فقد توقع الصندوق أن تحقق الصين نموا بنسبة 8.6% في 2021 ثم نمواً بنسبة 5.6% عام 2022. 

ويتوقع أن يتعزز النمو بعد تراجع فيروس كورونا والانتهاء من عملية إعطاء اللقاحات بفضل الطلب الكامن واسع الانتشار على الخدمات. ولم يتعطل الاقتصاد الهندي حتى الآن على نطاق واسع لأن الحكومة لم تتجنب فقط الإغلاق واسع النطاق لكنها أيضا تركز على قطاع الخدمات مثل تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا التمويل والضيافة والسياحة والرعاية الصحية مما سيعزز النمو. والنمو في الهند مدعوم بالنشاط الخدمي الذي يمثل 53.66% من الإنتاج المحلي الإجمالي في غمرة مسعى لتعزيز نمو قطاع التصنيع الذي لا يمثل إلا 14% فقط. 
وشهدت الهند بطئاً بالفعل في النمو الاقتصادي حتى قبل الجائحة. وبلغ النمو أكبر انخفاض في ست سنوات ليبلغ 4.7% في الربع الأخير من 2019 بسبب عدم توافر وظائف العمل وتراجع الاستهلاك وتقلص الإنفاق الحكومي. وهذه الموجة الثانية في الهند قد تفاقم الصعوبات التي يواجهها الناس وخاصة الفقراء الذين تضرروا بشكل غير متناسب من الجائحة. ولذا هناك اتجاه نحو العمل المحلي وفرض عمليات الإغلاق أقل تشدداً بكثير حتى لا يتعطل النشاط الاقتصادي وحتى لا يؤدي هذا إلى أزمة اقتصادية.