كثيراً ما سمعنا، وقرأنا عن إعجاب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واندهاشه الشديد بالعراق، وعن انبهاره بمدينة بغداد وتطورها وحضارتها ودورها وتأثيرها، وما تميزت به في مراحل ازدهارها وألقها الكبير، حيث زارها أكثر من مرة. ومن خلال روايات شهود جالسوا الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وسمعوا أحاديثه وأعادوها في حكايات وذكريات، فإنه كان شديد الإعجاب بالعراق وتاريخه، ومؤمناً بأهمية دوره وبريادته في المنطقة خلال مراحل تاريخية عديدة. وقد تابعت حديثاً لشخصية عربية على «اليوتيوب»، قبل عدة أيام، نشره موقع «فرسان الإمارات»، وفيه تتحدث هذه الشخصية كشاهد عيان، فينسب الرواية لنفسه ويسردها بغية تبصير وإفادة الأجيال مؤكداً دقّتها وأهميتها. ويذكر في هذا الصدد أنه أثناء الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الخليج الأولى (1980- 1988)، وحين مر العراق بضائقة مالية واقتصادية عسيرة بسبب تلك الحرب الضروس ومجهودها المرهق الذي استنزف البلاد واقتصادها على مدى ثماني سنوات في مواجهة جارتها اللدودة إيران، دفاعاً عن نفسها وصداً للعدوان ولجماً لأطماعه التوسعية.. أرسل العراق يومها وفداً رسمياً برئاسة الدكتور سعدون حمادي رحمه الله، وهو من الشخصيات العراقية الاقتصادية المرموقة، وقد تولى عدة حقائب وزارية أيام الحكم الوطني في العراق، وتوفي عام 2007 بعيد خروجه من السجن إذ كان ممن تم اعتقالهم مباشرة، بعد احتلال البلاد عام 2003. زار حمادي دولة الإمارات العربية المتحدة لمقابلة الشيخ زايد، فطلب منه -باسم العراق- قرضاً سريعاً بقيمة مليار دولار أميركي، لدعم صمود العراق وجبهته العسكرية في الحرب المسعورة التي تشنها إيران. ووافق الشيخ زايد في الحال على الطلب العراقي. وأمام سرعة الموافقة، همس أحد الوزراء من أعضاء الوفد في إذن حمادي: الشيخ زايد لم يوقع على العقد من الجانب الإماراتي! وهنا تحدّث حمادي مع الشيخ زايد قائلاً: «يا طويل العمر لم يتم التوقيع على العقد بيننا وبينكم من الجانب الإماراتي»، في إشارة إلى أهمية التوقيع كإجراء قانوني وبروتوكولي معروف لضمان حق الطرفين. وهنا سحب الشيخ زايد الأوراق ورماها على سطح الطاولة، وقال: «يا ولدي، زايد لا يوقع عقداً يطلب من أخيه العربي إعادة مبلغ واسترجاعه بعد أن يوافق على منحه لأخيه، فما بالك بالعراق، وهو يدفع الآن دماءً غالية وزكية؟!».

إذن هذا زايد وهذه خصاله وتلك سجاياه، وهذا نهجه وأخلاقه وذلك ديدنه وكرمه ومروءته وشهامته وتاريخه وإرثه الخالد الذي لا يُنسى ولا يمحوه الزمن.. نعرفه ونسمع عنه ونقرأه، وقد تربى عليه الأبناء والأحفاد، وتعلمت منه الأجيال. إنه الأب المؤسس وباني وحدة دولة الإمارات العربية المتحدة ومنشئ نهضتها ومهندس ازدهارها.. وقد أقام قواعدها على هذا الأساس، أي نهج الكرم والأخلاق والأخوة والسلوك الحسن والعطاء السخي، لتكون هذه القيم أساساً راسخاً في كل الإنجازات العظيمة الشامخة وشاهداً لتلك الشخصية العربية الوطنية الإنسانية الأصيلة، المرموقة المبهرة، التي يتعلم منها الآخرون، والتي خلّدها التاريخ وأنصفها الأخيار ممن يتحلون بالوفاء وبنبل الإخلاص وشيم الرجال الأحرار من أهل المروءة والشجاعة والنبل.. إنهم مَن يفهمون هذه المواقف الصعبة في أيام الشدائد والمحن، ولا ينكرون المعروف ولا ينسون المواقف الكريمة والشجاعة لأهلها.
كان الشيخ زايد الذي فارق دنيانا الفانية في شهر رمضان عام 2004، زايد الخير طوال حياته، فله الرحمة والغفران وجنة الرضوان.. وللعراق الذي تمر ذكرى احتلاله هذه الأيام، أفضل تمنياتنا بالاستقرار والازدهار والعيش المشترك. 

*كاتب سعودي