تابعت بشغف كبير ختام برنامج «أمير الشعراء» في موسمه التاسع، والذي توِّج باللقب فيه الشاعر السعودي سلطان الضيط، فحصل على بُردة وخاتم إمارة الشعر ولقب «أمير الشعراء». ولا أخفيكم سراً أني ومنذ الدورة الأولى من البرنامج عام 2007 أضبط ساعتي مع مواعيد بث حلقاته على قناة أبوظبي، فلم تفتني معظم أمسياته، والتي تمثل لي كشاعر رئة كبيرة، ومتنفساً مهماً، فأتفاعل بكل حماس مع ما تجود به قريحة الشعراء، فتطرب أذني لموسيقى قصائدهم.
وبشكل عام، قدم البرنامج فرصة مهمة للشعراء والموهوبين والشاعرات والموهوبات في رحلة بحثهم عن اللقب، كما أنه، ومع توالي دوراته نجح في استقطاب شعراء غير عرب يعرفون جوهر لغتنا عن ظهر قلب.
ورغم الظروف الصعبة التي فرضها فيروس كورونا؛ فإن لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي استطاعت مواصلة جهودها في البحث عن أمير الشعراء لهذا الموسم، فوظفت بدايةً التقنيات الممكنة لمقابلة المشاركين أينما كانوا، ثم جمعتهم في أبوظبي متقيدة بالإجراءات والتدابير الاحترازية والبروتوكول الطبي، وبما يضمن سلامة الشعراء وأعضاء لجنة التحكيم والعاملين في البرنامج.
وبإنجاز تسعة مواسم من أمير الشعراء، فإن لجنة إدارة المهرجانات وأكاديمية الشعر تثبتان أن البرنامج ليس مجرد مسابقة متلفزة متخصصة بالشعر الفصيح، إنما هو حالة متفردة وتظاهرة أدبية هدفها توثيق الصلة بين الشعراء، والحفاظ على اتقاد وهج الحركة الشعرية، فضلاً عن إطلاع محبي الشعر العربي الفصيح على الأصوات الشعرية التي لم يعرفوها من قبل ولم يطلعوا على نتاجها. ولا شك أن كل ذلك يأتي في إطار رؤية الإمارات الهادفة لصون التراث وتعزيز الاهتمام بالأدب والشعر العربيين، وللإسهام في صناعة الثقافة العربية، ولدعم المبدعين معنوياً ومادياً، وهو ما يحقق بالضرورة قفزات نوعية في عالم الثقافة.
ويمكنني القول دونما مبالغة: إن برنامج «أمير الشعراء» إلى جانب شقيقه برنامج «شاعر المليون» الخاص بالشعر النبطي هما أيقونتان وعلامتان فارقتان في ساحة الإبداع الشعري العربية، خصوصاً وأنهما يحظيان بدعم حكومة أبوظبي، وبرعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
اليوم وبعد سنوات من انطلاق البرنامجين ورصد ما حققاه، أستطيع القول إنهما - وعبر وسائل الإعلام - نجحا في إدخال الشعر إلى كل بيت، وحصدا شعبية غير مسبوقة في تاريخنا الحديث. فالشعر العربي بشقيه الفصيح والنبطي، وقبل إطلاق برنامجي «أمير الشعراء» و«شاعر المليون»، كان حبيس النوادي الأدبية واتحادات الكتّاب والأمسيات ومجالس الأدباء ومعارض الكتب، كما كان الجمهور محدوداً، وأحياناً نخبوياً، وبالتالي لم يكن الشعر يصل إلا لفئة قليلة العدد من المهتمين به، أما بعد تقديم الشعر عبر الفضائيات، فقد نجحت أكاديمية الشعر في نقل المشهد الشعري إلى آفاق أوسع. وهي في كل موسم تسهم في تمتين العلاقة بين الشاعر من جهة وجمهور الشعر من جهة ثانية، سواء كان ذلك الشعر كلاسيكياً فصيحاً أو نبطياً، كما أنها تواصل تقديم أصوات شعرية لافتة، ووجهات نظر نقدية مهمة.
إن «أمير الشعراء» و«شاعر المليون» برنامجان صاغا رؤية أخرى لجماهيرية الشعر، وقدما عشرات الشعراء والشاعرات المبدعين، وسلطا الأضواء على تجارب شعرية جديدة مهمة، كما ساعدا المشاركين فيهما على تطوير أدواتهم الشعرية. وفي المقابل انطلق هؤلاء كلٌّ في مساره ليؤكدوا مدى حرصهم على الاستمرارية في ساحة الشعر، وبث الجمال والمحبة بين الناس.