تتحدث بوصلات الثقافة والعلم باهتمام بالغ، عن النظام العالمي الجديد، ولكنه لا يعبر عن «تاريخ جديد»، أو مستحدث كمنقطع النظير، بل هي حقبة أو مرحلة جديدة نمت على غصن، أساسه جذور راسخة من التراكمات التاريخية الأقدم، والتي تمثل «قطعة ثقيلة» من التفاعل الإنساني، والتلاقح الثقافي، والتبادل الفكري، والتي يعي الإنسان منها اليوم ما سجله أخوه الإنسان «السابق» من الأحداث البارزة، والتي شكلت مطباً «وعراً» أمام تقدم المجتمعات الإنسانية، ولهذا فهي لا تزال تتذكرها. 
وعليه، فإن ما سببته جائحة كورونا لا يمكن إنكاره من كونه أحدث تصدعاً في كافة مجالات وقطاعات المجتمع الإنساني، ولكن ذلك لا يعني إهمال المخزون التجاربي الإنساني المنصرم، إذ لا يمكن اختزال التاريخ، في ظل حالة الذهول التي واجهها العالم، فالذهول في ذاته مَثّلَ في معظمه ردة فعل على الانتكاسات الإدارية، والهشاشة المؤسسية، والانحرافات السلوكية، على المستوى الجمعي، والفردي، وهي في ذاتها لم تُضَخ بفعل فيروس كورونا التاجي، بل هي موجودة في الأساس ولكنها لم تستطع الاستمرار في الاختباء، أو المداراة خلف جدار «شعارات الكفاءة» الوهمي. 
وفي الوقت ذاته، مثلت جائحة كورونا التي باتت مبرراً، وصهوةً تلقى عليها كل الأمور السيئة الحاصلة في العالم، ضرورة ملحة، ولكنها ليست واضحة المعالم، ففي الحديث عن القطبية العالمية، وما تمر به العولمة من تطورات، كان لزاماً قرع أجراس جديدة تشير لقوى عالمية لم يكن الذنب في تقزيم قدراتها سوى «صيت» القطبيات الأخرى، وربما هو ذات الدافع الذي حور العديد من وجهات النظر التي باتت تمعن في «الجزء الملآن من الكأس»، من خلال اعتبار جائحة كورونا «أزمة ضرورة»، و«امتحان علاجي». ومن ناحية ثانية ستكون هذه الأزمة «عقدة الحكاية»، التي ستؤول لتسارع الأحداث الطامحة لصناعة ترياق للحرب الإنسانية بمعناها الأكثر عمقاً، فالعالم يعيش حرباً أخلاقية، وثقافية، وسياسية، وبيئية، وتربوية، وتكنولوجية وعلى شاكلته. ذلك أن كل المجالات الإنسانية التي حملت خيراً للعالم، اشتبكت معها عوامل أخرى، أدت لإحداث خلل معين في أحد أطرافها، وهذا الذي ألزمتنا الجائحة على التنبه لناقوسه. «ألقى الوباء الضوء القاسي على العيوب وأوجه القصور والإضرار بالنظام الدولي والنظام الوطني على حد سواء»، كما قال «ستيلزنميلر»، من معهد بروكينجز في واشنطن . 
تلك القطبيات التي شاعت في الفترة بين (1989 - 2000)، بتصدر دور الولايات المتحدة الأميركية، المتغلغل في شتى الشؤون العالمية، وبخاصة السياسي والاقتصادي، والعسكري منها، اهتزت خلال الأزمة المالية عام 2008، لتعود تواجه صدمة جديدة، مع الأزمة الصحية العالمية، كوفيد-19. 
والآن وبعد مرور معظم إرهاصات الحقبة الجديدة، التي كلفت جهود بشرية، وتضحيات تعجز الكلمات عن وصفها، يفتح العالم نافذة جديدة، تبعث أملاً لإعادة تشكيل قطبية اقتصادية، وقطبية سياسية، ولتصدر نماذج ثقافية، وتعليمية، ومشاريع تربوية، وأخرى معززة للنظام الأخلاقي عن طريق فرصة جديدة لم تحظ بها سابقاً، لترتقب المجتمعات الصغيرة والكبيرة، وصول تلك النماذج لمكانتها التي تستحق في ظل «صراع مدمج الأدوات» لا يحتمل المجاملة! 
في مشهد مثير للاهتمام، لا يزال العالم يقف على حد الأمل، بأن تكون حالة الشلل التي تسللت في أوردة العالم، هي حالة مؤقتة وحرجة تمثل «هدوء ما قبل العاصفة»، عاصفة التطورات، والتغيرات، وقلب الصفحات السوداء التي آذت رسالة الإنسانية السامية، لتترك تلك العاصفة خلفها جواً صافياً خالياً من الترسبات، والأغصان الركيكة الهشة، وفي ذات الوقت ترتقب شكل القطبية الجديدة قلباً وقالباً، في ظل صعود كل من سهم البيئة، والصحة على ما دونهما.