في خضم الأخبار السلبية على مدى أكثر من عام منذ ظهور وباء فيروس «كوفيد-19» الحالي، تظهر بين الحين والآخر أخبار إيجابية مشجعة، تزيد الآمال في أن الجنس البشري يمكنه قهر هذا الفيروس عن قريب. من هذه الأخبار، دراسة موّلتها دائرة الصحة والرعاية الاجتماعية في إنجلترا، وأظهرت نتائجُها أن الأشخاص الذين أصيبوا سابقاً بالفيروس بلغ حجم الاستجابة المناعية لديهم بعد تلقي جرعة واحدة من تطعيم شركة فايزر، ستة أضعاف الاستجابة المناعية لمن لم يصابوا سابقاً بالعدوى.
هذه النتيجة تحمل في طياتها جوانب إيجابية عدة، منها أهمية تلقي الجرعة الثانية من التطعيم، حيث تظهر أن جهاز المناعة الذي يتعرض للمستضدات (Antigens) الموجودة في الفيروس للمرة الأولى، سواء من العدوى أو من جرعة التطعيم الأولى، يستجيب بشكل أكبر بكثير وأشد قوة عند تعرضه للفيروس للمرة الثانية، أو بعد تلقي الجرعة الثانية من التطعيم. وحتى مَن أصيبوا بالفيروس، ثم تلقَّوا جرعة واحدة من التطعيم، يجب عليهم تلقي الجرعة الثانية أيضاً لضمان استمرار تمتعهم بالمناعة لأطول فترة ممكنة.
وفي الأشخاص الذين لم يصابوا سابقاً بالفيروس، يظل من المهم والضروري تلقي الجرعتين، لزيادة فرصة تنشيط الأجزاء والدفاعات المختلفة لجهاز المناعة، مما يمنحهم أكبر قدر ممكن من الوقاية ضد النسخ المتحورة من الفيروس. وهو ما يدعم أيضاً بشكل كبير القرار السابق للجنة التطعيمات المشتركة في بريطانيا، والذي نص على تمديد الفترة بين الجرعتين الأولى والثانية لمدة 12 أسبوعاً، لتغطية أكبر عدد ممكن من السكان مبدئياً بما هو متاح من جرعات. هذا القرار، والذي أثار حينها كثيراً من اللغط والجدل، أظهرت نتائج الدراسة الأخيرة أنه كان صائباً إلى حد كبير. وبناءً عليه، يمكن للدول النامية والفقيرة، والتي تعاني نقصاً وشحاً شديدين في المتوفر من التطعيمات، بدرجة أكبر كثير من الدول الغنية (وخصوصاً بريطانيا حين صدور ذلك القرار)، يمكنها أيضاً اعتماد استراتيجية مشابهة، لتغطية أكبر عدد ممكن من السكان بما يتوفر لها من نزر بسيط من جرعات التطعيم.
أما بالنسبة لمن أصيبوا سابقاً بالفيروس، فعلى ما يبدو فإن معاناتهم لن تذهب سدى، حيث سيستجيب جهاز المناعة لديهم بقوة أضعافاً مضاعفة، حتى وإن تلقَّوا جرعةً واحدةً فقط من التطعيم، وهو ما سيمنحهم في المستقبل مناعةً أشد فعالية في مواجهة الفيروس والنسخ المتحورة منه.


*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية