كانت روسيا ذات يوم حليفاً وصديقاً مقرباً للهند في كل الظروف، خاصة أثناء حقبة الحرب الباردة. لكن هذه الصداقة التي صمدت أمام الزمن تعرضت لضغوط تقلب التحالفات العالمية وتغيرت على مدار السنوات القليلة الماضية. فمع التقارب بين الهند والولايات المتحدة، عززت روسيا علاقاتها بجنوب آسيا لتتقارب بدورها مع جيران الهند. وهذا التحول لم يستقر إلا في السنوات القليلة الماضية عقب تقارب روسيا مع الصين وباكستان. والتحالفات العالمية المتغيرة تعني حدوث تحول كبير في علاقات الصين بروسيا وحدوث تقارب بين البلدين وهو ما حدث للعلاقة بين روسيا وباكستان أيضاً.
وفي الآونة الأخيرة، توجه وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى الهند وباكستان، في بادرة تؤكد نفوذ موسكو المتنامي في جنوب آسيا. والتأثير الجديد لروسيا في المنطقة تضمّن توسطها في محادثات الحدود بين الهند والصين ودورها المتزايد في عملية السلام الأفغانية إلى جانب الصين وباكستان. وتأتي زيارة لافروف للهند بعد أيام من قمة الزعماء في «منتدى الأمن الرباعي»، وهو تجمع غير رسمي للهند والولايات المتحدة واليابان واستراليا. 
لكن في الوقت نفسه، هناك تاريخ العلاقات الهندية الروسية. فالبلدان من حلفاء الحرب الباردة، ولهما علاقات ثنائية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي. وعلى مدى سنوات، اعتمدت الهند على روسيا في كل إمداداتها العسكرية. وشكّلا صداقةً قويةً فقدت زخمها في العقد الماضي مع تعزيز كل طرف صلاتِه بمنافس الطرف الآخر. فقد عززت الهند علاقاتها بالولايات المتحدة، وعززت روسيا علاقاتها بالصين. والتقارب المتزايد بين الهند والولايات المتحدة أثّر أيضاً على العلاقات بين الهند وروسيا.
لكن في غمرة هذه التحولات، مازالت العلاقات الدفاعية بين الهند وروسيا مستمرة ومازال البلدان شريكين عسكريين كبيرين. صحيح أن الهند تعتمد بشكل متزايد في الحصول على الأسلحة على دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، لكن معظم العتاد العسكري الهندي مازال روسي المصدر، واعتماد الهند على روسيا مازال مستمراً في قطع غيار الأسلحة. ومازال التعاون الدفاعي أساس العلاقات الروسية الهندية. ففي عام 2018، وافقت الهند على صفقة مع روسيا لشراء خمسة أنظمة صواريخ من طراز «إس-400» رغم تحذير الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الهند. وأصرت الهند حتى الآن على المضي قدماً في الحصول على تلك الأنظمة رغم تقاربها مع الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى هذا ناقش البلدان أثناء زيارة لافروف أيضاً إمكانية تحقيق إنتاج إضافي من العتاد العسكري الروسي في الهند. 
لكن مقارنة بالعلاقات السياسية والعسكرية، فقد ظلت التجارة بين البلدين متواضعة رغم جهود تعزيز التجارة بينهما. وبلغت التجارة الروسية الهندية 10.11 مليار دولار بين عامي 2019 و2020، مع استثمار كل بلد في البلد الآخر في قطاع النفط والغاز. ويريد البلدان الوصول بحجم التجارة بينهما 30 مليار دولار سنوياً مع حلول عام 2025. لكنه أيضاً هدف متواضع إلى حد كبير، مقارنة مع حجم التجارة بين روسيا والصين البالغ 110 مليارات دولار في عام 2019. 
وغادر لافروف الهند ثم توجه إلى باكستان في أول زيارة لوزير خارجية روسي لإسلام آباد منذ تسع سنوات. وركزت الزيارة على أفغانستان التي وصلت فيها عملية السلام إلى مرحلة محورية. لكن التعاون في قطاعي الدفاع والطاقة بين البلدين كان من الموضوعات المهمة في تلك المناقشات. وقد تضمّن الدعم الروسي لقطاع الطاقة الباكستاني عدداً من الخطط لاستثمار 14 مليار دولار في البنية التحتية للغاز الذي يستهدف تحديداً تعزيز نفوذ موسكو في البلاد. وتحدّث وزير الخارجية الروسي عن المواقف المتضافرة للبلدين في عملية السلام الأفغانية التي تتضمن «إقامة هياكل سلطة احتوائية». وهذا قد يكون إشارة إلى تشكيل حكومة انتقالية غير منتخبة لمراقبة عملية السلام، وهي فكرة رفضتها كابول. ودافعت الهند عن عملية سلام تعتمد على مبدأ تأسيسي وحل سياسي يجب أن يعني قيام أفغانستان مستقلة وديمقراطية.
وتظهِر زيارة لافروف للبلدين أن نفوذ موسكو في جنوب آسيا آخذ في التزايد. والرحيل الوشيك للقوات الأميركية من أفغانستان، مصحوباً بالعلاقات الدافئة لروسيا مع الصين، من المفترض أن تضع موسكو في موقف قوي لصياغة الجغرافيا السياسية في المنطقة. وبالنسبة للهند، فالحقيقة غير المريحة هي أن روسيا تتقارب مع باكستان والصين. وفي الماضي، كانت روسيا لا تورد العتاد الدفاعي إلى باكستان، آخذةً احتمال استياء الهند في الاعتبار. لكن ذاك عهد مضى. فالعلاقات بين البلدين تعززت فيما يتعلق بالأوضاع في أفغانستان. وروسيا بحاجة إلى باكستان للعودة كطرف مؤثر في أفغانستان التي من المقرر أن يترك فيها انسحاب القوات الأميركية في سبتمبر المقبل فراغاً للأطراف الإقليمية الفاعلة. وستصبح روسيا طرفاً رئيسياً في أفغانستان، ويتوقع أن يتزايد اعتمادها على باكستان، وهذا قد يتمخض عن تقارب أكثر بين البلدين، وهو تطور ستراقبه الهند عن كثب. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي