أُعطيت قرابة مليار جرعة من لقاحات كوفيد- 19 عبر العالم، ومع ذلك، فإن الحصيلة الأسبوعية للإصابات حطّمت رقماً قياسياً جديداً الأسبوع الماضي، كما أن الوفيات في تصاعد، وفي طريقها إلى تجاوز حصيلة 2020 المرعبة. فكيف أمكن حدوث ذلك؟ وألم يكن من المفترض أن تخمد اللقاحات نيران الوباء؟ 
أجل، إنها تخمدها. ولكن عندما يتعلق الأمر بحريق كبير، لا يمكنك أن تكتفي بإخماد جزء منه فقط، لأن الباقي سيواصل الاحتراق. 
العديد من البلدان عبر العالم تواجه حالياً أزمة شديدة، مع تفشي الوباء واكتظاظ وحدات العناية المركزة بالمرضى وافتقارها إلى الإمدادات الأساسية مثل الأوكسجين. 
لماذا يحدث هذا؟ لعدد من الأسباب، أهمها: ظهور سلالات تنتقل بسرعة أكبر بين البشر، والتطبيق غير المستمر للتدابير الصحية العامة، مثل إلزامية ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي والتخفيف المبكر لها، والسكان الذين تعبوا على نحو يمكن تفهمه من الالتزام بتلك التدابير، والتوزيع غير العادل للقاحات. 
لقد طوّر العلماء عدداً من اللقاحات ضد كوفيد 19 في زمن قياسي. غير أنه من أصل ال890 مليون جرعة لقاح أو أكثر التي أُعطيت على الصعيد العالمي، فإن أكثر من 81 في المئة منها أعطيت في بلدان عالية الدخل وبلدان ذات دخل فوق المتوسط، هذا في حين تلقت البلدان منخفضة الدخل 0,3 في المئة فقط. 
غير أن هذه المشكلة يمكن التنبؤ بها للأسف. فعندما تفشى فيروس الإيدز في الثمانينيات، طُوّرت أدوية مضادة للفيروسات بسرعة، ومع ذلك، مرّ عقد من الزمن قبل أن تصبح متاحة في بلدان افريقيا جنوب الصحراء. 
وقبل عام، عملت منظمة الصحة العالمية والعديد من الشركاء الصحيين العالميين معاً في جهد مشترك يهدف إلى تجنب أن يعيد التاريخ نفسه. وهكذا، بدأت «مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد- 19»، بما في ذلك مبادرة تقاسم اللقاح «كوفاكس»، من أجل ضمان التوزيع الأكثر عدلاً للقاحات وعمليات التشخيص والعلاجات الخاصة بكوفيد 19. 
كانت الفكرة واضحة للغاية: في وقت لم يكن فيه أحد يعرف أي لقاحات ستثبت فعاليتها في التجارب السريرية، صُمم «كوفاكس» من أجل تقاسم المخاطر الضخمة الموجودة في عمليات تطوير اللقاحات، وتقديم آلية للمشتريات الجماعية والطرح العادل للقاح. 
وبينما كان العلماء يعملون في المختبرات، وضعت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها المعايير، ويسّرت التجارب، وجمعت التبرعات، وتابعت تقدم التصنيع، وعملت مع البلدان من أجل الاستعداد لطرح اللقاح. 
والتزمت البلدان من كل مستويات الدخل والمصنّعون وآخرون في القطاع الخاص بالمشاركة. 
غير أن العديد من البلدان الغنية نفسها التي كانت تعبّر عن دعمها ل«كوفاكس» علانية كانت تقوم بالموازاة مع ذلك بتقديم طلبيات للحصول على اللقاحات نفسها التي يعتمد عليها «كوفاكس». 
وفي يناير الماضي، أصدرت تحدياً عالمياً للشروع في عمليات التلقيح في كل البلدان في غضون الـ100 يوم الأولى من عام 2021 . وبحلول 10 أبريل المنصرم، كنا قد اقتربنا من تحقيقه. ولكن كمية اللقاحات التي وزعت كانت غير كافية تماما. واعتبارا من الخميس الماضي، وزعت «كوفاكس» 43 مليون جرعة لقاح على 119 بلدا – تغطي 0,5 في المئة فقط من مجموع سكانها البالغ أكثر من أربع مليارات نسمة. 
وهذا أمر غير مقبول. المحللون يتوقعون أن تدرّ اللقاحات عائدات ضخمة على المصنّعين. وفي الأثناء، ما زالت «مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد 19» في حاجة إلى 19 مليار دولار للحصول على المبلغ الذي تحتاجه من أجل توسيع وصول البلدان ليس إلى اللقاحات فحسب ولكن أيضا إلى عمليات التشخيص والعلاجات الضرورية مثل الأوكسجين، غير أنه حتى لو كانت لدينا كل الأموال التي نحتاجها، إلا أن المال لا يفيد إذا لم تكن هناك لقاحات يمكن شراؤها. 
الحل يقوم على ثلاثة أركان: إننا في حاجة إلى أن تقوم البلدان والشركات التي تهيمن على الإمداد العالمي للقاح بالتقاسم ماليا، وتقاسم جرعاتها من اللقاح مع «كوفاكس» بشكل فوري، وتقاسم خبرتها ومعرفتها من أجل زيادة الإنتاج والتوزيع العادل للقاحات بشكل عاجل وكبير. 
وإحدى الطرق الممكنة لفعل ذلك تتمثل في الترخيص الطوعي مع نقل التكنولوجيا، والذي تقوم بمقتضاه الشركة المالكة لبراءة اختراع أحد اللقاحات بالترخيص لمصنع آخر بإنتاج جرعاتها، عادة نظير مبلغ معين. وقد قامت بعض الشركات بهذا الأمر على أساس ثنائي، غير أن مثل هذه الاتفاقات تميل إلى أن تكون حصرية وغير شفافة، وهو ما يضر بالوصول العادل للقاح. 
بيد أن هناك طريقة أكثر شفافية وتتمثل في أن تقوم الشركات بتقاسم تراخيص من خلال «تجمع الوصول إلى تكنولوجيا لقاح كوفيد-19»، وهي آلية للتنسيق العالمي اقترحتها كوستاريكا ودشنتها منظمة الصحة العالمية العام الماضي. 
ثم هناك خيار آخر، اقترحته جنوب افريقيا والهند، ويتمثل في التنازل عن حقوق الملكية الفكرية بخصوص منتجات كوفيد- 19 من خلال اتفاق في منظمة التجارة العالمية بهدف تحقيق نوع من المساواة، ومنح البلدان نفوذا أكبر في مفاوضاتها مع الشركات. ولا شك أن الحكومات تستطيع الدفع في اتجاه قدر أكبر من التقاسم للملكية الفكرية عبر تقديم تحفيزات للشركات من أجل القيام بذلك. 
وإذا لم يكن هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ هذه التدابير، فإنه من الصعب تصور متى يمكن أن يكون ذلك. وإلى جانب تدابير الصحة العامة المثبتة، لدينا كل الأدوات للتغلب على هذا الوباء في كل مكان في ظرف أشهر. والأمر كله يمكن اختزاله في شيء واحد: أن نتقاسم أو لا نتقاسم. 
وسواء فعلنا ذلك أم لا، فإن الأمر لا يتعلق باختبار للعلم، أو للقوة المالية، أو التفوق الصناعي، وإنما باختبار للشخصية.

*مدير عام منظمة الصحة العالمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/04/22/opinion/who-covid-vaccines.html