أعلن الرئيس جو بايدن اعتزامه استكمال سحب كل القوات العسكرية الأميركية من أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل، بعد 20 عاماً على الهجمات الإرهابية التي كانت سبباً في ذهاب القوات المسلحة الأميركية إلى هناك للمرة الأولى. واستند بايدن في قراره على ثلاثة اعتبارات: الأول أن الولايات المتحدة لديها أولويات أخرى في الداخل والخارج، وفي مقدمتها التوترات المتصاعدة مع الصين، والثاني أنه ليس هناك ما يدعو تقريباً للالتزام بتعهد إبقاء القوات إلى أجل غير مسمى لبلد واحد؛ لأن الإرهاب ظاهرة عالمية، والثالث أنه لا مسوغ للاعتقاد بأن شروط الانسحاب الأميركي قد يتم الوفاء بها بحال من الأحوال، وتحديداً شرط التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية و«طالبان». 
الاعتباران الأولان غير مقنعين. صحيح أن الولايات المتحدة لديها طائفة من الأولويات، لكن يمكنها تلبيتها دون سحب 2500 جندي تقريباً - مع اقتفاء قوات التحالف الأخرى أثرها- من أفغانستان. وصحيح أن أفغانستان ليست سوى مكان واحد يستطيع الإرهابيون التدريب فيه وتنفيذ هجماتهم ضد المصالح الأميركية، لكن الدعم التاريخي لدولة مجاورة- باكستان- يجعل أفغانستان أكثر فتكاً من المسارح الأخرى التي تعمل فيها أطراف غير دول دون دعم كبير أو تغطية من دولة. فقد قُدم تقرير «مجموعة دراسة أفغانستان» إلى الكونجرس العام الجاري، معلومات منفادها أن «القاعدة» و«داعش» وجماعات أخرى تعمل في أفغانستان قد تُعيد تشكيل نفسها وتشكل تهديداً للأراضي الأميركية في فترة تتراوح بين 18 و36 شهراً من الانسحاب الأميركي. 
ونحن نوافق على ضعف احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام، لكننا نعتقد أن الحجة الثالثة أخطأت الهدف. فالأساس المنطقي للوجود العسكري المستمر ليس التوصل إلى اتفاق سلام أو تحقيق انتصار عسكري. بل منع أفغانستان من التحول إلى ملاذٍ آمن للإرهابيين من جديد، وهو أكثر ترجيحاً إذا سيطرت «طالبان» على مساحات أكبر من أراضي البلاد. والهدف الأول للسياسة الأميركية للمضي قدماً يجب أن يكون منع حدوث هذا. وهذا يتطلب مساعدة عسكرية واقتصادية طويلة الأمد للحكومة بعضها يتعلق بشرط الإصلاحات السياسية والمؤسسية. 
وانهيار الحكومة والجيش الأفغاني، في وقت فيه احتمال حقيقي لعدم وجود قوات التحالف، سيمثل دعوة لـ«طالبان» وجماعات أخرى باستخدام الأراضي الأفغانية لتحقيق أهدافها الإرهابية. ويتعين على إدارة بايدن أيضاً توفير ترتيب بديل في المنطقة يسمح لها باستعراض القوة وتنفيذ عمليات مناهضة للإرهاب إذا لزم الأمر. 
ويجب على الولايات المتحدة أيضاً توضيح أنها تتوقع وفاء «طالبان» بالالتزامات المتضمنة في اتفاق فبراير 2020 الذي وقعته مع الولايات المتحدة. وفي هذه الصفقة، تعهدت «طالبان» بأنها لن «تسمح لأي من أعضائها أو الأفراد والجماعات الأخرى- من بينها «القاعدة»- باستخدام أراضي أفغانستان في تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها». ونظراً للطريقة التي اضطلعت بها «طالبان» انتقائياً بمسؤولياتها الواردة في الاتفاق، فليس لها أن تجادل بأن تأخر مغادرة الولايات المتحدة أربعة أشهر يمثل إبطالاً للاتفاق. 
والهدف الثاني للسياسة الأميركية عشية إعلان الانسحاب، يجب أن يكون دعم جهود متابعة عملية السلام، لكن ليس على حساب الحكومة الأفغانية. وهذا يتطلب إعادة تقييم للنهج الأميركي الذي يمارس حالياً ضغطاً مفرطاً على الحكومة الأفغانية لتسليم السلطة إلى حكومة وحدة وطنية. وفي نهاية المطاف، يتطلب أي سلام دائم في أفغانستان بعض التقاسم القابل للصمود للسلطة والأراضي والموارد بين الأفغان ومن بينهم «طالبان». ويتعين على واشنطن توخى الحذر، بحيث لا تضعف الحكومة الأفغانية التي مازالت محورية في تقييد نشاط الجماعات الإرهابية، في تعلق بأمل خيالي نوعاً ما يتم التوسط فيه لتشكيل ائتلاف حكومي قابل للصمود في الأمد القريب. 
والهدف الثالث للسياسة الأميركية، يجب أن يكون دعم وحماية المدنيين الأفغان والمجتمع المدني بأفضل طريقة ممكنة حتى بعد مغادرة الجيش الأميركي. وتوصيل مساعدات إنسانية وأنواع الدعم الأخرى سيمثل تحدياً هائلاً خاصة إذا وقعت أفغانستان في وحل حرب أهلية كاملة التكوين، أو سقطت الحكومة في كابول. وإذا حدث هذا، ستُغلق السفارة الأميركية ووكالات الإغاثة الإنسانية الدولية ستضطر إلى الرحيل أو العمل في ظل مخاطر هائلة. وتستحق منظمات محلية ودولية، تعمل بفرق محلية، الدعم المالي وغيره من أوجه الدعم لعملها في ظل أي ظروف فيما بعد. وعدد اللاجئين الأفغان الذي من المتوقع تزايده بشدة إذا ساءت الظروف سيتطلب مساعدات كبيرة خاصة إذا لم يؤدِّ هذا إلى تدفق جديد إلى أوروبا. 
والهدف الرابع الذي يجب أن تسعى السياسة الأميركية لتحقيقه هو الاضطلاع بمسؤولية أكبر وسط القوى الإقليمية لما ستصل إليه الأوضاع في أفعانستان. وهناك فرصة للقيام بهذا في الوقت؛ لأنه لا يتمنى إلا قلة من جيران البلاد أن يروا أفغانستان تنزلق في حرب أهلية. وعلى وجه الخصوص، يجب على الولايات المتحدة السعي لتحقيق تعاون كبير مع الصين فيما يتعلق بأفغانستان، وحث بكين على استخدام نفوذها لدى باكستان كي تفي «طالبان» بالتزاماتها في اتفاق فبراير 2020، ودعم وقف إطلاق نار وسط الأطراف المتناحرة في أفغانستان. والصين لديها حوافز للقيام بهذا مخافة أن تصبح أفغانستان مصدراً لزعزعة الاستقرار وخاصة داخل منطقة شينجيانج. 
ورغم بعد منال التوصل إلى اتفاق سلام رسمي يجب أن تضع الولايات المتحدة، مع أطراف إقليمية وغيرها، ملامح صفقة مساعدات مغرية تقدم حوافز للأطراف المحلية للمضي قدماً في اتجاه السلام. صحيح أن «طالبان» ستكون حققت هدفها الرئيسي في انسحاب كامل للقوات الأميركية دون تقديم أي تنازلات، لكنّ زعماءها يعلمون أنهم لا يستطيعون فعلياً السيطرة على أفغانستان دون مساعدة خارجية.
والهدف الخامس يجب أن يكون تخفيف آثار الضرر الناتج عن الانسحاب خارج حدود أفغانستان. فلن ينظر إلا قلة من الزعماء العالميين إلى المغادرة الأميركية بغير ما تعنيه بالفعل، أي أنه فشل لأميركا. وسيعتبر كثيرون أن هذا مؤشر على انكفاء أميركي على الذات، ومعتقدين أن نبرة بايدن رغم اختلافها عن نبرة ترامب، لكن سياساته، في أفغانستان على الأقل، ليست مختلفة كثيراً. وإيران هي الدولة الأكثر ترجيحاً أن تحتفي بالمغادرة الأميركية وتحتاج إدارة بايدن أن تكون مستعدة لاحتمال تدخل طهران الإقليمي كنتيجة لهذا. وروسيا تختبر بالفعل إدارة بايدن بحشدها قوات على الحدود الشرقية لأوكرانيا، وقد تتزايد جسارة أيضاً. 
وأخيراً، يجب أن تضع إدارة بايدن خطط طوارئ لاحتمال استيلاء «طالبان» على أفغانستان. وهذا يتطلب عملاً مع حلفائها في أوروبا وآخرين في المنطقة للاستعداد لموجة كبيرة من اللاجئين الجدد تنتج عن العودة إلى حرب أهلية.

ميجان أوسليفان*

*استاذة بجامعة هارفاد ونائبة مستشار الأمن القومي لشؤون العراق وأفغانستان بين عامي 2006 و2007.
ريتشارد هاس**

**رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمنسق السابق لسياسة مستقبل أفغانستان بين عامي 2001 و2002.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»