قبل خمسة أشهر ونيف، اعتقد هذا البلد الواقع جنوب آسيا أنه تعاطى مع فيروس كورونا بنجاح، وأن الأسوء بات وراءه. غير أن كل ذلك تبين أنه كان خاطئاً، إذ تجتاح البلادَ حالياً موجة ثانية أشد فتكاً تتميز بارتفاع متسارع في حالات الإصابة ومعدل الوفيات. ففي الأسبوع الأخير، سجلت الهند أكثر من مليوني إصابة بكوفيد - 19»، وهي الأعلى في العالم. ونتيجة لذلك، تكاد البنية التحية الصحية في البلد تنهار في وقت أعلنت فيه كل من المستشفيات الحكومية والخاصة في البلاد نقص حاد في الأكسجين والأدوية والأسرّة.

العاصمة دلهي واحدة من أكثر المدن تضرراً من حيث عدد الإصابات، حيث تعرف تفشياً أكثر فتكاً وأسرع عدوى. قصص عدة حول عمليات بحث مضنية ويائسة عن الأسرّة والأكسجين وأجهزة التنفس الاصطناعي والموظفين الصحيين المنهَكين عبر المدينة، وأرقام الزيادة اليومية في عدد الحالات ومعدل الوفيات... جعلت الهلع يستولي على النفوس. فالكثير من الضحايا الذين لديهم أعراض إيجابية يُردّون من قبل المستشفيات بسبب عدم وجود أسرّة ونقص الأكسجين ويُنصحون بالتركيز على العلاج في البيت. وخوفاً من أن يصيبوا أفراد عائلاتهم بالعدوى في البيت، يؤثِر كثير من الضحايا البقاء في مركباتهم على جانب الطريق، والمحظوظون منهم يتمكنون من اقتناء أسطوانات أكسجين بأثمان باهظة من باعة جشعين ووكلائهم الذين يستغلون الوضع. 
هذه الموجة القاتلة الأحدث تحصد أرواح عدد كبير في ظل تقارير عن فترات انتظار طويلة جداً في أماكن حرق جثث الموتى. على أن إحصائيات الوفيات التي تعزى إلى «كورونا» ويتم الإعلان عنها تتعلق فقط بمن يموتون في المستشفيات، ولا تشمل أولئك الذين يموتون في بيوتهم أو في الشوارع بسبب عدم توافر أسرّة في المستشفيات ونقص الأكسجين. هذه الموجة الثانية عطّلت قصة تعافي الهند. ولا شك في أن أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع حالات «كوفيد - 19» هو التراخي والتقصير في اتباع قواعد الحماية المناسبة من جانب الناس، ولكن السبب الأهم من ذلك هو سوء الإدارة والمقاربة المتهورة للهيئات الإدارية الصحية وغيرها. إذ يُنحى باللائمة على «اللجنة الانتخابية الهندية» بسبب إعلانها عن الانتخابات في خمس ولايات هندية، حيث جُلب عشرات الآلاف من الأشخاص من أجل حضور تجمعات انتخابية كبيرة من قبل كل الأحزاب السياسية تقريباً. وفي تلك التجمعات الكبيرة، لم تُحترم أي قواعد بخصوص الحماية من «كوفيد - 19»، وتجوهل التباعد الجسدي كلياً. وفضلاً عن ذلك، فإن الاحتفال بمجمع «كومبه»، وهو تجمع ديني يحدث مرة كل 12 عاماً، مضى قدماً كما كان مخططاً له في مدينة هاري دوار الهندوسية المقدسة وجذب إليه ملايين المتدينين، بينما كانت السلطات تكافح من أجل فرض احترام تدابير السلامة. 
ومع الارتفاع الدراماتيكي في حالات الإصابة بفيروس كورونا، والضغط الشديد التي يتسبب فيها ذلك على الموارد الطبية مثل الأكسجين الذي يوجد نقص كبير فيه، فرضت العديد من المدن، مثل دلهي ومومباي إغلاقات شاملة. ورغم أن السياسيين والإداريين يكافحون للسيطرة على تفشي الفيروس القاتل، إلا أن الضرر وقع. صديقا الهند وشريكاها الاستراتيجيان، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، سارعا إلى تقديم كل المساعدة الممكنة ودعم السلطات الهندية من أجل إنقاذ الوضع. وفي هذا الصدد، وصلت إلى الهند 80 طناً مترياً من الأكسجين الطبي السائل قادمة إليها من السعودية، بينما يرتقب وصول 5 آلاف أسطوانة أكسجين طبي أخرى من أجل تخفيف الوضع. ومن جانبها، أرسلت الإمارات العربية المتحدة صهاريج أكسجين، ومولدات أكسجين، وشحنة ضخمة من مكثفات الأكسجين. وبالمثل، أرسلت الكويت أسطوانات أكسجين، وحزمات الإيثانول، ومواد إغاثة. 
الولايات المتحدة، التي كانت علّقت تصدير الإمدادات الطبية المتعلقة بـ«كوفيد» من أجل إعطاء الأولوية لسد احتياجاتها ومتطلباتها الداخلية، أعلنت الآن النقل الجوي لعقار «ريمديسيفير» المضاد للفيروسات والمواد الخام للقاح «كوفيشيلد» لمحاربة تفشي الوباء. كما بادرت فرنسا، والمملكة المتحدة، وسنغافورة، والكويت وعدد من البلدان المجاورة الأخرى بتقديم دعمها للهند في هذه الظروف العصيبة. وفي لفتة مثالية، عرضت باكستان أيضاً مواد إغاثة لمساعدة الهند على محاربة أحدث موجة من «كوفيد - 19». ويشمل العرض الباكستاني أجهزة تنفس اصطناعي، وآلات رقمية للأشعة السينية، ومواد طبية ذات صلة من أجل مواجهة «التحدي الذي يواجه الإنسانية» معاً، كما قال رئيس الوزراء عمران خان. 
الموجة الثانية من وباء فيروس كورونا في الهند تأتي بعد بضعة أشهر على الموجة الثانية في بلدان أخرى، والتي كانت بمثابة تحذير للبلدان الأخرى من أن فيروس كورونا لن يرحل قريباً. ويبدو أن الهند ارتكبت أخطاء على غرار بعض البلدان الأخرى مثل المملكة المتحدة بعد أن بلغت الموجة الأولى أوجها وبدا أن الأمر قد انتهى. ذلك أن درجة من التراخي والحياة شبه الطبيعية عادت إلى البلاد، رغم أنه كان من الواضح أن بضعة بلدان أخرى قد تعرضت لموجة ثانية خطيرة. والحال أنه كان بإمكان صناع السياسات والزعماء المنتخَبين أن ينتبهوا إلى ذلك، ويثنوا الناس عن التجمع والاحتشاد في المهرجانات والتجمعات الانتخابية والمناسبات الدينية لبعض الوقت كخطوة احتياطية لتجنب الوضع الذي تجد الهند نفسها فيه اليوم.