أثناء قراءتي لتقرير منظمة «هيومن رايتش واتش» الجديد الذي يرصد الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون، انتباتني مجموعة من المشاعر. التقرير ترك لديّ أيضاً سؤالاً كبيراً. لقد تأثرت بعمق بالطابع العلمي الصارم للتقرير. وفي الوقت نفسه استدعى التقرير مشاعر الغضب والحزن العميق. التقرير يمثل دراسة كاملة بشكل استثنائي ترصد بالتفصيل ليس فقط الوسائل الكثيرة، التي تم من خلالها انتهاك طائفة واسعة من حقوق الإنسان الفلسطيني بل أيديولوجية الاستعلاء التي تم استخدامها لتسويغ القمع. 
ولطالما كان الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني اهتمامي الأساسي، ولذا شعرت بدرجة ما من التعضيد لعملي أثناء قراءة عرض منظمة هيومن رايتس ووتش- خاصة وأنها منظمة دولية غير حكومية- للانتهاك المنهجي للحقوق الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وحتى داخل إسرائيل نفسها. وشعرت بألم عميق وأنا اتذكر كثيرين من ضحايا هذه السياسات من الفلسطينيين الذين عرفتهم على مدار سنوات، مثل الذين تعرضوا للتعذيب وأزيلت منازلهم أو صودرت أراضيهم وطُردوا واُحتجزوا لسنوات دون محاكمة أو أصبحوا لاجئين. 
وشعرت بالحزن تجاه أبطال الدفاع عن حقوق الإنسان من الفلسطينيين والإسرائيليين الذين عرفتهم مثل محامية حقوق الإنسان فيليشيا لانجر ورئيس ونائب رئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق المدنية والإنسانية إسرائيل شاحاك ويوري ديفيس، والشاعر ورئيس بلدية الناصرية وعضو الكنيست الإسرائيلي توفيق زياد، ورؤساء البلديات في الضفة الغربية الشجعان عبد الجواد صالح وفهد قواسمة ومحمد ملحم. فهؤلاء الأشخاص كرسوا حياتهم للدفاع عن العدل لكنهم لم يدركوا اليوم الذي وُصف به النظام الذي تصدوا له بقوة بالاسم الذي يستحقه، في نهاية المطاف، وهو الفصل العنصري «آبارتايد». 
الجديد، بالتأكيد، في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش ليس الاتهامات. بل الجديد أن المنظمة أبطلت الحجة التي لجأ إليها الليبراليون في الولايات المتحدة ليحللوا أنفسهوا من مسؤولية انتقاد إسرائيل. فحين كانوا يُواجهون بالتقارير السابقة عن الانتهاكات، كانت أكثر الإجابات شيوعاً هي «إذا ركرنا على مثل هذه الأمور، فهذا يجعل الإسرائيليين أقل استعداد للتفاوض على حل الدولتين مع الفلسطينيين» أو «إذا استمر الإسرائيليين في هذا الطريق، سيصبح حل الدولتين مستحيلاً ». 
لقد تم تجاوز الحد. وبالتخطيط الإسرائيلي المحسوب لم يعد حل الدولتين ممكناً. فالانتهاكات تميز الواقع القائم في كل المنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيل. ونصيحتي لمنتقدي هذا التقريرهي «أقرأوه» وكفى. فحين يقرأه المرء، فإنه يطرح على نفسه سؤالاً واحداً: «هل الفلسطينيون بشر كاملي البشرية تعادل حياتهم في القيمة حياة أي شعب آخر؟» وإذا كانت إجابته هي «نعم». إذن عليه أن يسأل نفسه كيف يمكنه السكوت والاذعان أمام الانتهاك المنهجي المروع الذي أُجبر الفلسطينيون على تحمله؟ وكيف يمكنه الاستمرار في التهاون في إنكار الحقوق الفلسطينية مثل حرمة بيوتهم وممتلكاتهم وحقوقهم الأساسية في الحياة والحرية؟ 

 

رئيس المركز العربي الأميركي- واشنطن