هل هناك أنظمة سياسية أفضل في إلحاق الهزيمة بالجائحة من الأخرى؟ فقد زعم فرانسيس فوكوياما، فيلسوف السياسة الشهير، أن «وباء كوفيد هذا ربما يقضي على الشعبوية. لا أعتقد أن هناك أي ارتباط بين النظام الديمقراطي وجودة أو سوء التعامل مع فيروس كورونا. لكن هناك قطعاً ارتباط بين الزعيم الشعبوي وسوء الأداء». 
قدم فوكوياما هذا التشخيص حين كانت الولايات المتحدة تحت زعامة الرئيس دونالد ترامب تبدو كما لو أنها مثال على سوء التعامل مع الجائحة. فقد كانت أعداد الحالات ترتفع بشدة، بينما كان البيت الأبيض يتخبط في استجابته الاتحادية ويتشاحن مع حكام الولايات، ويشكك في توصيات خبراء الصحة العامة، ويلقي باللائمة على خصوم أجانب ومنافسين محليين على السواء. هذا النهج غير مجدٍ في مواجهة جائحة تتطلب تقييماً تكنوقراطياً رصيناً وتنسيقاً دولياً. 
وبعد ذلك بعام، ظل تشخيص فوكوياما دقيقاً إلى حد كبير. فالدولتان الكبيرتان الأكثر تضرراً من الجائحة حالياً، البرازيل والهند، يحكمهما قوميون يمينيون أشرفوا على تصاعد مروع للفيروس فاق قدرة أنظمة المستشفيات وملأ المقابر، ومراسم إحراق الجثث أصبحت بالجملة. والوفيات اليومية الآن في كلا البلدين بالآلاف، مع احتمال أن تكون الأعداد في الهند أعلى بكثير مما يتم تسجيله رسمياً. وتجاوزت البرازيل 400 ألف حالة وفاة بسبب كوفيد في الأيام القليلة الماضية ولا يتقدم عليها إلا الولايات المتحدة. وغالبية الوفيات حدثت في أول الشهور الأربع الأولى من هذا العام. وسجلت الهند أعلى عدد رسمي من الإصابات بفيروس كورونا في غرة مايو الجاري. وفي اليوم التالي، أعلنت وفاة 3689 شخصاً في الساعات الأربع والعشرين السابقة، في رقم قياسي قومي جديد. 
وألقى منتقدون باللائمة على الرئيس خايير بولسونارو ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. فقد أعطى الزعيمان أولوية للمعارك السياسية المحلية على التحرك الواقعي لكبح تأثيرات الجائحة. وكتب زميلي تيرانس مكوي يقول: «منذ بداية الجائحة قللت الحكومة الاتحادية البرازيلية من شدة فيروس عاث فساداً هذه البلاد التي يقطنها 210 ملايين نسمة. ودعا بولسونارو الشعب إلى عيش حياتهم بطريقة عادية. وأطاعه عدد من السكان- سواء بسبب الفقر أو السياسة أو الضجر- يكفي لتقويض إجراءات احتواء غير متسقة». 
وفي الهند، أعلن «مودي» نصراً سابقاً لأوانه على الفيروس في وقت مبكر من هذا العام، قبل الانخراط في سلسلة من الاجتماعات السياسية الكبيرة في أنحاء البلاد قبل انتخابات في عدد من الولايات. والنتيجة التي نشرت يوم الأحد، 2 مايو، أظهرت تعرض الحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الحاكم لهزيمة أو ضعف أداء في عدد من السباقات المحورية، رغم أن معظم الأصوات تم الإدلاء بها قبل أن تتضح جسامة التصاعد الكبير الحالي في حالات الإصابة بكوفيد. 
وأشار سوهاس بالشيكار، أستاذ العلوم السياسية الهندي، في صحيفة «إنديان إكسبريس» إلى أن الحكومة وجدت صعوبة في تقديم إغاثة اقتصادية للبلد المحاصر وفشلت في دعم البنية التحتية الحيوية للرعاية الصحية وتعثرت في توزيع اللقاحات. وفي إشارة إلى التباهي في بداية الأمر من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم كتب بالشيكار قائلاً: «الجائحة ليست شأناً سهلاً، بل محنة لأي حكومة ومن المحتم أن تقع الأخطاء. لكن من أجل هذا تحديداً، الحكمة ليست في ادعاء الحكمة».
والأمر لا يتعلق بالهند والبرازيل فحسب، فالزعماء الشعبويون كما أشار فوكوياما أساءوا الإدارة في مناطق أخرى. وهذا ينطبق على الفلبين. فقد اتهم منتقدون الرئيس القومي، رودريجو دوتيرتي، بتقليص الفضاء الديمقراطي بشكل أكبر في البلاد بإجراءات الإغلاق التي اتخذتها حكومته. لكن صعوداً حالياً لفيروس كورونا أدى إلى مخاوف من احتمال عجز مستشفيات مانيلا قريباً عن استيعاب الحالات. وفي المجر، فرض رئيس الوزراء غير الليبرالي، فيكتور أوربان، الأحكام العرفية لفترة وجيزة العام الماضي، لكن البلاد مازالت واحدة من أسوأ دول العالم في وفيات كورونا. 
وأوروبا، بالطبع، بها حكومات كثيرة تديرها أحزاب وسطية أو أقرب إلى اليسار، لكنها تعثرت أيضاً في مواجهة الجائحة، بما في ذلك الحكومات الائتلاقية بين الوسط واليسار، من أسبانيا إلى بلجيكا وإيطاليا. وعلى الجانب الآخر من العالم، مثلت حكومة أستراليا اليمينية وحكومة يسار الوسط في نيوزيلندا حالات الدراسة الوحيدة للأداء الجيد المتواصل للحكومات في مواجهة الجائحة. وفيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة تعتبر نماذج للنجاح رغم الاختلاف الكبير بين أنظمتها السياسية وزعمائها. والصين التي ظهر فيها الفيروس للمرة الأولى، عرقلت انتشاره بحشد لا يستطيع إلا عدد قليل من الدول القيام به. 
لكن تخبط النظم القومية لم يعد القضية المهيمنة في قصة الجائحة. فقد دشن توزيع اللقاحات جدلاً مختلفاً تماماً بشأن مدى أخلاقية التوجه القومي في اللقاحات وجيوسياسية إنتاج الجرعات وتوزيعها. والأمر يتعلق بشكل أكبر بالذين يملكون والذين لا يملكون على مستوى العالم. فإدارة بايدن تتقدم في السباق على إعطاء اللقاحات للسكان الأميركيين، لكنها تحركت متأخرة في المساعدة في توسيع إمكانية الحصول على اللقاح لأجزاء أخرى من العالم. 
وكتب أخيل راميش، الباحث في معهد «منتدى الهادي» البحثي يقول: «الزعماء الذين يطلقون على أنفسهم قادة النظام الدولي الليبرالي أثبتوا أنهم قوميون، على الأقل في ما يتعلق باللقاحات والعقاقير والإمدادات الحيوية الأخرى. والقوميون الذين يجري السخرية منهم عادة في الشرق أثبتوا أنهم عولميون متعاطفون، مع تقدم الصين والهند على طريق دبلوماسية اللقاحات». 

* كاتب أميركي متخصص في الشؤون الدولية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»