المبادئ التي يتمّ انتهاكها حسب الرغبة ليست مبادئ، هي شيء مصلحي آني يمكن تغييره وحتى عكسه حين تتوافر ظروف أو حاجات للمستفيد سواء أكان مؤسسةً أم فرداً، والإعلام الغربي بشكل عامٍ، والأميركي بشكلٍ خاصٍ، كشف في السنوات القليلة الماضية عن فضائح من العيار الثقيل واهتزت صورة مبادئه بشكل مذهل، وإن لم تتأثر فنياته وتقنياته.
اليسار الليبرالي الأميركي كان هو الأكثر انحرافاً، استهتاراً بالمبادئ، لأن اليسار الليبرالي مؤدلج مثله مثل اليسار التقليدي، وينظر لنفسه كمالكٍ مستحوذٍ على الحقائق المطلقة، والإعلام تحديداً هو الذي رفع الرايات ونشر الأراجيف والأكاذيب، من جهةٍ لمعادة التيار اليميني الذي كان يقوده الرئيس السابق دونالد ترامب، ومن جهة لمعادة الملكيات حول العالم وفي الشرق الأوسط.
جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان الغربية بالتعاون مع الإعلام لم تزل تتقصد الهجوم على الأنظمة العربية وبشكل أخص على الملكيات العربية، وعلى الرغم من كل التقدم الذي تحرزه هذه الدول والنماذج المبهرة في الاقتصاد والتنمية كما في الاستقرار وبسط الأمن والأمان، ويمكن للمتابع أن يكتشف بسهولة مدى التناقض الذي يعتري هذه المنظمات الحقوقية والشركات الإعلامية بمجرد أن يختلف اسم الدولة المستهدفة بين عربيةٍ وغير عربية في منطقة الشرق الأوسط.
قصة ومواقف جيف بيزوس قبل سنواتٍ ضد السعودية ضمن حملة واسعةٍ تم شنها بشكل منظمٍ وممنهجٍ وتكالبت فيها أطراف إعلامية أميركية، وحديثه المستمر حينذاك عن قضية جمال خاشقجي وسفره إلى إسطنبول، واتهامه للسعودية باختراق هاتفه المحمول، ثم بعد سنواتٍ اتضح أن القصة بكاملها ملفقةٌ من الأساس ويراد بها تشتيت الانتباه عن مشكلات بيزوس الشخصية وعلاقاته خارج الزواج، ومن هنا كتب آنذاك عادل الجبير وزير الشؤون الخارجية السعودي على حسابه في تويتر قائلاً: «الآن وبما أن الحقائق اتضحت فيما يسمى بقضية (اختراق هاتف جيف بيزوس)، وأن لا علاقة للمملكة بهذه المزاعم كما أكدنا في حينه، هل سيعترف الذين اتهموا المملكة وحاولوا الإساءة لسمعتها بشكل علني للحفاظ على مصداقيتهم؟» وهو سؤال مستحق والإجابة عليه مطلوبة لمن يمتلك مصداقية.
هذا مثالٌ واحدٌ فقط على حجم الانجراف وراء كل ما يضر دولاً بعينها، ويمكن تفهم هذا الانجراف والانحراف حين يأتي من سياسي يحترف المخادعة والتلاعب ويقتفي المصالح وإن بأساليب ملتوية، ولكن المشكلة أن من صنعوا هذا إعلاميون وحقوقيون يملأون قنواتهم وصحفهم ومواقعهم الإلكترونية ومنظماتهم وجمعياتهم بالكثير من المبادئ والمثل والقيم، ثم يكونون هم أول من يملك الاستعداد الكامل لرمي كل ذلك ظهرياً لمصالح أو أحقادٍ شخصيةٍ لا تمت إلى القيم والمبادئ بأي صلةٍ.
على مدى عقودٍ كان استهداف دول الخليج العربي «شنشنةٌ نعرفها من أخزم» كما تقول العرب، ولكن السنوات الأخيرة كانت فاصلةً وواضحةً ولم تتكلف بعض الوسائل حتى تغطية ذلك الخداع وتزويق تلك الأكاذيب، والضرر الذي أصاب صورة وسائل الإعلام الغربية والأميركية تحديداً سيحتاج لزمنٍ طويل حتى يثبت الإعلاميون الأميركيون أنهم قادرون على إقناع العالم مجدداً بمصداقيتهم ومبادئهم وقيمهم.
يظنّ البعض أن غض الطرف عمّا صنعه الإعلام الغربي هو السبيل الأفضل لعدم فقد تعاطفهم أو تجنب إمعانهم في العداوة غير المبررة، وربما لدى البعض أهدافٌ شخصيةٌ -أيضاً- والصحيح هو أن هؤلاء لا يملكون أي تعاطفٍ مع دول المنطقة وهم مستمرون في العداوة والاستهداف، ومن الأفضل إبراز النماذج التي كان الانحراف فيها صارخاً ومؤذياً وربما غير مسبوقٍ بهذا الحجم وهذه الطريقة وبكل الألوان الصارخة ما عدا لون الحقيقة.
أخيراً، فمن الجيد أن يملك الإنسان عقلاً ناقداً تجاه الانحرافات حتى لو جاءت ممن يسمى الأفضل والأكثر مهنيةً.