هناك ما يشبه الإجماع لدى المعارضة السورية بضرورة نهوض موقف عربي لحل القضية السورية، خاصة وأنها تدخل عامها الحادي عشر دون أية بارقة أمل في إيجاد حل جذري، مع تصاعد خشية من استمرار حالة سكونية في التعامل مع هذه القضية، قد يطول أمدها مع تحول القضية السورية إلى حالة هامشية في الاهتمام الدولي.
وقد تصير قضية تاريخية مثل القضية الفلسطينية، بينما يبقى ملايين السوريين مشردين في المخيمات والملاجئ، وملايين الأطفال بلا تعليم وبلا أية رعاية إنسانية، وأما المهجّرون إلى البلاد المجاورة وإلى أوروبا وبلدان الشتات، فمن تمكن منهم من تحقيق حالة من الاستقرار قد يحقق اندماجاً في المجتمعات الجديدة، ومن يفشل سيعيش على هامش المجتمع المضيف منكفئاً على أحزانه ومأساته، وكثير ممن هاجروا مع ذويهم وهم أطفال دون العاشرة دخلوا اليوم في العشرينيات من أعمارهم وصاروا شباباً، وهم لا يتذكرون من بلدهم الأم سوى ذكريات قاسية عن القصف والخوف والرعب والدم الذي يسفك والدمار الذي حل بسوريا، ومن هم أصغر سناً لا يعرفون سوريا، وهم يشكلون تصوراتهم عنها من أحاديث الآباء ومن صور الإعلام.
والعرب بوصفهم أمة ينتمي إليها أغلبية السوريين هم الأولى بأن يهتموا بأبناء أسرتهم الكبيرة، وهم الحاضنون لملايين من المشردين، وبعض الدول المجاورة تضيق بهم، وبعضها توظف طاقاتهم بحدود دنيا، ولكن الجميع يعتبرون الحالة مؤقتة ولا تملك الدول استراتيجية لتوطين اللاجئين، ولا يرغب اللاجئون فيها أن يتخلوا عن بلدهم وأن يبقوا في الشتات.
لكن السؤال المهم، ما الدور العربي المنشود الذي يريده السوريون من أشقائهم العرب؟ لقد حاول العرب حل القضية في الجامعة العربية مع بداية ظهورها، لكن القضية بدت أكبر من طاقة الجامعة ولاسيما أن أغلب الدول العربية كانت منشغلة بعواصف الربيع العربي فيها، ومع تفاقم المأساة السورية بعد التدخل العسكري الأجنبي تم تدويل القضية، وبقي التدخل العربي مسانداً للشعب السوري ولاسيما في ميادين الإغاثة وفي الإسهام مع المجتمع الدولي وهيئة الأمم في البحث عن حل، وكانت مقترحات بعثة كوفي عنان منذ عام 2012 مؤسسة لرؤية الحل السياسي الذي تحول إلى مباحثات في جنيف دون دخول جاد في التفاوض لعدم توفر إرادة دولية لإنهاء المأساة.
إن مساعي المصالحات في الساحتين العربية والإقليمية تدعو إلى التفاؤل بولادة موقف عربي جديد، يقدم مقاربات ممكنة لإنقاذ سوريا (الدولة) المهددة بالانهيار والتحول إلى ساحات دم عشوائي، ما لم يسعفها موقف متين يتصدى لأي انهيار قد تكون تداعياته أشد خطراً من الراهن، ولئن كنا نأمل أن يستعيد المجتمع الدولي اهتمامه الساخن بالقضية السورية، فإن الموقف العربي هو المحرض والدافع، ولست ممن يعلق آمالاً على التصريحات النارية التي تصدر من مواقع القرار دون قرار، ولست ممن يريدون حلاً عسكرياً، فقد اكتظت المقابر الجماعية بالجثث، وآن للناس أن يناموا ليلة بسلام.
وبإمكان العرب إذا استنفروا قواهم أن يقنعوا المجتمع الدولي وبخاصة روسيا والصين، فضلاً عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن حل القضية السورية وفق القرارات الدولية سيحقق انفراجاً سياسياً على صعيد دولي، وسيرتاح العالم كله من تداعيات هذه المأساة التي ألقت بظلالها الفجائعية على دول عديدة.
وبوسع الدور العربي أن يفيد من التوافقات التي تمت حول ما سماه ديمستورا ورقة مبادئ رغم كل الملاحظات حولها، وحسبنا أن نذكّر بالمبدأ السادس منها الذي يتحدث عن الانتقال السياسي بوصفه مفتاح الحل.
ويمكن بناء رؤية عملية ممكنة للتقدم في آليات تنفيذ القرار الدولي 2254 وهو محط إجماع دولي، ونأمل أن تكون الرؤية الأميركية المنتظرة قادرة على تفعيل هذا القرار، وقد باتت حاجة السوريين في الداخل تكافئ حاجة المشردين في الخارج إليه.