تواجه شبه القارة الهندية أوضاعاً صحية صعبة جراء انتشار فيروس كورونا بصورة مقلقة وبأعداد متزايدة للمصابين بشكل متصاعد. لكن فيروس كورونا لم يعد وحده المقلق في واقع الأمر، بل كذلك تبعات تفاقم الحالات إلى أبعد من مجرد «كوفيد-19» بعدما كشفت مجلة «India Today»، نقلاً عن إدارة الدراسات الطبية الهندية، بأنه وعلى خلفية انتشار وباء كورونا بدأت تظهر إصابات من مرض «العفن الأسود» (Mucormycosis) جراء تعفن جثث المتوفين التي جرفتها المياه على ضفاف نهر الغانج التي أُلقيت فيها بسبب اكتظاظ المحارق. والعفن الأسود مرض أخطر بكثير من فيروس كورونا، حيث أن من مضاعفاته فقدان البصر خلال أيام معدودة والوفاة في أغلب الأحيان. ومن التصريحات المثيرة للاهتمام أن بعض المرضى هناك لم يقضوا نحبهم بسبب كورونا بل بعد إصابتهم بالعفن الأسود!
مع بداية انتشار فيروس كورونا، وفي أسابيعه الأولى، كتبت على صفحتي في «تويتر» أن ما يحدث في الهند ليس كما نراه أو ما يتم التصريح به رسمياً حول محدودية الحالات رغم الكثافة السكانية، بل إن واقع شبه القارة الهندية يحتضن كوارث بيئية وصحية وأوبئة قد تتجاوز مخيلاتنا. فالأوبئة التي نعتقد أنها اختفت من كوكب الأرض ما تزال تضرب أطنابها في الهند، مثل الجذام والسل والتيفوئيد. فمن يصدق مثلاً أنه في عام 1994 انتشر وباء الطاعون الذي فتك بملايين الأرواح في القرن الماضي ليعود للانتشار مجدداً، لولا التفات بعض المنظمات العالمية للسيطرة على الوباء في بداياته خشية توسع انتشاره وفقدان السيطرة على تفاقمه!
الوضع الصحي في الهند مقلق للغاية مع خروج الحالات هناك عن نطاق السيطرة واتساع تفاقم الحالات. وما يحدث في أقاصي العالم قد يحدث في أدناه، وخلال ساعات قليلة. وهو ما يقتضي إيجاد حلول سريعة ومبادرات طارئة للحد من انتشار سلالات أشد فتكاً وشراسةً من السلالات الموجودة في الوقت الحالي. فالنسخة الهندية المتحوّرة من «كوفيد-19» هي أحد العوامل التي أدّت إلى تفشّي الفيروس بوتيرة متسارعة في الهند، لأنّها أسرع عدوى وأعلى قدرة على مقاومة اللّقاحات بالمقارنة مع النسخة الأصلية للفيروس. هذا فضلاً عن اتساع مضاعفات الفيروس لتشمل أمراضاً أخرى أكثر ضراوة كمرض العفن الأسود الذي ينتشر اليوم في الهند بشكل مخيف!
وتتضاعف حالات الإصابة بفيروس كورونا يوماً بعد يوم في شبه القارة الهندية بمعدل 400 ألف حالة يومياً وآلاف الوفيات وعدد كلي تجاوز حاجز الـ25 مليون حالة، وطفرات متحوّرة لسلالات مختلفة. ومن هذه الطفرات المتحوّرة ما يضاعف من معدّلات انتقال العدوى، ويجعلها أشد مقاومةً للأجسام المضادّة التي اكتسبها الجسم سواء من خلال التطعيم أو من خلال إصابته بالفيروس بصورة طبيعية. وقد ذكرت الطبيبة في منظمة الصحة العالمية «سوميا سواميناثان» أنه في بلد ضخم مثل الهند، يمكن للعدوى أن تتفشّى بهدوء على مدى أشهر عدة من دون أن تثير كثيراً من الانتباه. وقالت: «لقد أُهملت تلك العلامات المبكرة إلى أن وصل المنحنى الوبائي إلى نقطة تصاعد منها عمودياً». وهذا في واقع الأمر مؤشر خطير على حالة العالم. فالهند تعد ثاني أكبر دولة عالمياً من حيث الكثافة السكانية، وأي كارثة صحية فيها يتم تجاهلها قد تؤدي إلى كارثة للكوكب برمته، علماً بأن الوباء قد تسبب في 32 مليون حالة وفاة على مستوى العالم، فكيف بشبه القارة الهندية بعد أن يتفاقم الوباء ويتوسع انتشاره في مناطقها الريفية التي لا يتوافر فيه ما يكفي من الرعاية الصحية لمواجهة الوباء؟!


*كاتبة سعودية