بعد 20 عاماً من المفاوضات، تكثف منظمة التجارة العالمية جهودها لإنهاء إعانات حكومية تبلغ 22 مليار دولار تدعم صناعات صيد الأسماك، وتمثل عاملاً محورياً لتقليص مخزون الأسماك حول العالم. وحالياً هناك 34% من مجموعات الكائنات البحرية حول العالم تتعرض للصيد الجائر، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو». وفي الدول الأقل تقدماً، تمثل الأسماك أكثر من 25% من إجمالي ما تستهلكه شعوبها من البروتين. وفي التجمعات السكانية الساحلية قد تصل هذه النسبة إلى 80%. لكن أكثر الدول ثراء تدعم الأساطيل الصناعية التي تتفوق في منافستها على صناعة الصيادين الصغار في الدول الأفقر. وأكبر مقدمي الدعم حالياً: الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وهذه الدول تمثل مجتمعة 50% من  إجمالي الدعم المقدم لصناعة الأسماك. ويحذر نشطاء البيئة من أنه ما لم يجر القيام بشيء، فإن إيقاع الصيد الجائر يهدد بأزمة جوع عالمية غير مسبوقة وكارثة بيئية. 
وجعلت «نجوزي أوكونجو أيويلا»، المدير العام الجديد لمنظمة التجارة الدولية، القضية من أولوياتها الكبرى. ومن المقرر أن تعقد «أكونجو - أويويلا»، وهي اقتصادية نيجيرية وأول أمرأة وأول أفريقية تتولى هذا المنصب، مؤتمراً في يوليو المقبل قد يساعد في إبرام اتفاق دولي. وتحدثت «إيزابيل جاريت»، مديرة برنامج تقليص الدعم الضار للصيد في مؤسسة «صناديق بيو الخيرية»، عن المفاوضات قائلة: «نحن أقرب من أي وقت مضى من التوصل إلى اتفاق». لكن محاولات دول كثيرة للحصول على استثناء أو استغلال الثغرات قد يعرض فعالية الاتفاق للخطر في لحظة حرجة لمحيطات الكوكب. والأمم تعتزم حماية إمكانية الحصول على الغذاء، والاقتصاديات المحلية تضخ الأموال في الصيد منذ عقود، مما شجع على الاستنفاد المتواصل للموارد، بتمكين نشاط الصيد المتعثر على التوسع. 
وفي سبعينيات القرن الماضي، كان هناك 10% فقط من موارد العالم المعروفة من الأسماك تتعرض للصيد للجائر، وهذه النسبة تضاعفت ثلاثة أمثال منذئذ. ورغم هذا، ظلت الصناعة تصطاد الكمية نفسها من الأسماك كما كانت تفعل قبل عقود. والصيد البحري العالمي بلغ نحو 81 مليون طن في العام منذ تسعينيات القرن الماضي. وجانب كبير من هذا يغذيه الدعم الحكومي للصيد. والمثير للسخرية، أن تقليص ضغوط الصيد ستسمح بتعافي المخزون، مما يحسن الأمن الغذائي العالمي، وهي نقطة حيوية مع زيادة عدد سكان العالم أكثر من 2.4 مليار نسمة منذ عام 1990. وذكر باحثون أن الحكومات إذا أوقفت الدعم، يمكن استعادة 35 مليون طن من غذاء البحر أو 12.5% منه بحلول عام 2050. 
والجهود القومية لحماية صناعات الأسماك بالتشجيع على بناء قوارب صيد تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، بحسب قول سيسنيروس - مونتميور، وهو اقتصادي من جامعة بريتش كولومبيا. وأشار سيسنيروس-مونتميور إلى أن المساعي المبكرة لدعم الصيد كان يغذيها اعتقاد بأن المحيطات لا ينضب معينها، لكن الآن يتعين استمرار الدعم للحفاظ على الأرباح لكثير من جماعات الصيد. وأشارت دراسة صدرت عام 2018 إلى أن نحو 54% من مخزون الأسماك في المحيطات لن يكون مربحاً، بغير الدعم. 
ويسعى تجار التجزئة إلى تهدئة المستهلكين الذين لديهم وعي بيئي ويضغطون من أجل إنهاء الدعم أيضاً. فقد استهدفت شركة «وولمارت» أن تكون كل الأسماك الطازجة والمجمدة التي تبيعها حاصلة على شهادة من «مجلس الإشراف البحري»، وهو جماعة تروج للصيد المستدام. وتشعر «سارة ثورن»، مدير الشؤون الحكومية الدولية في وولمارت، بالإحباط من استخدام الحكومة الدعم لتقويض العمل الذي تقوم به سلسلة متاجر التجزئة الشهيرة. 
لكن اتفاق المنظمة المقترح يواجه أكبر عقبة وتتمثل في الموقعين أنفسهم. فقد أظهرت دول العالم بالفعل رغبة في تجاهل مثل هذه الالتزامات الدولية. فلم يتم الوفاء بالموعد النهائي الخاص بهدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذي كان يسعى لحظر دعم الصيد بحلول عام 2020. وفي المفاوضات الحالية، فالمواقف المتصلبة لبعض الدول التي تطالب باستثناءات «تغامر بإبقاء الوضع الراهن كما هو لأن أكبر الداعمين لا يريدون تحمل مسؤوليات كبيرة»، بحسب قول جاريت، من مؤسسة «صناديق بيو الخيرية». 
ومن النقاط الشائكة في محادثات منظمة التجارة الدولية، هو نوع الفوارق أو الاستثناءات التي تُمنح للدول الأقل نمواً. فقد أشار دانيال فوسيس دو اونياندي، عضو مجلس الإدارة المنتدب في جماعة «يوروبيش»، المدافعة عن الصيد في أوروبا، إلى أنه حين يتعلق الأمر بتنظيم هذه الإعانات «فإذا جرى استبعاد الدول النامية والأقل تقدماً، فهذا سيصبح مثار خلاف».
ويرى «دو أونياندي» أن هناك قلقاً واسع النطاق من أن تتفاوض الصين تحت المسمى الذي تطلقه على نفسها باعتبارها دولة نامية، رغم أنها تملك أكبر أسطول صيد في أعالي البحار في العالم.
وتسعى دول من الاتحاد الأوروبي ودول أخرى للحصول على استثناءات بزعم كفاية سياساتها القائمة لإدارة مخزون الأسماك، بحسب قول اغناثيو فريسكو فانزيني، مستشار السياسية البحرية المقيم في العاصمة الإسبانية مدريد. والاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، يشير إلى تقليصه 22 ألفاً من قوارب الصيد رغم أن 75% من مخزون الأسماك في البحر المتوسط مازال يتعرض لصيد جائر. وهناك خوف من أن تتمخض مساعي منظمة التجارة العالمية عن اتفاق أقل أهمية بحلول الصيف، نظراً للمواقف المتباينة لبعض الدول. 

 

* صحفية متخصصة في القضايا لعلمية 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»