أنيا نوسباوم*
حملة الانتخاب الرئاسية الفرنسية القادمة ستفرض مزيداً من التمحيص لنقاط ضعف لوبان المحتملة، بينما ستتعزز مكانة ماكرون بفضل سرعة برنامج إعطاء اللقاحات ------------------------- يروج حلفاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ شهور، لفكرة عدم كفاءة زعيمة أقصى اليمين مارين لوبان، لكنهم بدؤوا يشعرون بالقلق. فمع الاضطراب في صفوف أحزاب فرنسا التقليدية، ترى الحكومة الفرنسية أن لوبان أصبحت خصم ماكرون الرئيسي، خاصةً في الانتخابات الرئاسية للعام المقبل. ويراهن ماكرون على أن يكشف وقوع لوبان في زلة بارزة، عاجلاً أم آجلاً، عن آرائها المثيرة للخلاف التي بثتها في الماضي. ويُعتقد أن تحرك ماكرون نحو اليمين قليلاً قد يستقطب المزيد من الناخبين المعتدلين، ومن ثم، يستطيع الرئيس الفرنسي إلحاق الهزيمة بها بسهولة. وفي الشهر الماضي، حذّر مجموعة من الجنرالات المتقاعدين من أن ماكرون يغامر بتدخل الجيش ما لم يشدد حملته على الجريمة. وتحذير الجنرالات كان من الممكن أن يؤدي إلى تأييد واضح من لوبان من قبل، لأنه يلقى صدى لدى قاعدتها. لكنه يغامر حالياً بضياع المزيد من الناخبين من التيار الرئيسي الذين تحتاج إليهم لتحقيق الفوز. وقد تعلّمت لوبان دروساً من هزيمتها في الانتخابات الرئاسية السابقة حين كشف ماكرون جهلها بتفاصيل السياسة وأفكارها عن مغادرة منطقة اليورو، مما جعلها بعيدة عن معظم الناخبين. وبعد أن عملت على تلطيف صورتها، فازت بتأييد وسط النساء والشباب، بل ووسط اليهود وغيرهم، بحسب قول «أوجو باليتا» أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليل. وتظهِر استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة تقلص تقدم ماكرون، ومن ذلك استطلاع للرأي أُجري مؤخراً بعد مقتل ضابط شرطة، وقد تبين من نتائجه أن شعبية لوبان قفزت ثمانية نقاط لتصل إلى 34%، بينما حامت شعبية الرئيس حول 35%. ولم يتفوق عليها إلا إدوارد فيليب، رئيس الوزراء السابق، في مسح سُئل المشاركون فيه عن الشخصية التي يتمنون رؤيتها، وهي تلعب دوراً مهماً في مستقبل البلاد. وإذا ألحقت لوبان الهزيمة بماكرون، الذي يقدم نفسه، باعتباره مدافعاً عن المشروع الأوروبي، فستكون صدمة للاتحاد الأوروبي تعادل تلك التي أحدثها فوز دونالد ترامب بالرئاسية الأميركية وتأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» في الاستفتاء البريطاني لعام 2016. ولم تضع لوبان خططاً مفصلة لسياستها الداخلية، لكنها ستلقى قبولاً لدى الناخبين من أصحاب مستويات التعليم الأقل الذين تَصدّوا لجهود الرئيس المتعلقة بالإصلاحات الداعمة للسوق. ويرى كريستوف بويو، من معهد جرينوبل للعلوم السياسية، أن فوز لوبان قد تتبعه اضطرابات في مشروعات الإسكان المتنوعة لأصحاب الدخول المحدودة وحدوث تحول تدريجي نحو السلطوية يصبح فيه المهاجرون والمسلمون منهم خصوصاً أول الضحايا. وحين انتزعت لوبان قيادة حزبها عام 2011 من والدها وضعت مشروعاً طموحاً لجعل الحزب ضمن تيار السياسة الرئيسي وكثّفت هذه الجهود بعد خسارتها الانتخابات عام 2017 أمام ماكرون. فقد حُظر على أعضاء الحزب الإدلاء بتصريحات عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمت معاقبة المخالفين. وتقدم مجموعة من المستشارين النصح للوبان مرتين في الأسبوع لضمان ألا يتكرر أداؤها الكارثي السابق في الحملة القادمة. وأثناء أداء أفضل لها في برنامج تلفزيوني، تحدثت لوبان لمدة ساعتين ونصف الساعة عن سياسة المناخ وحقوق النساء، وأعلنت أنها لم تعد تريد مغادرة الاتحاد الأوروبي، بل إصلاحه فحسب. وناقشت النظرية النقدية لما بعد الكينزية، واستشهدت ببيانات من الدَّين العام والبطالة. وكانت لوبان قد انتقدت من قبل حكومة سابقة لاعترافها بدور إدارة فيشي أثناء الحرب العالمية الثانية في «الهولوكوست»، كما شبّهت صلاة المسلمين في الشوارع بالاحتلال النازي. لكن حين سُئلت عن سجل حزبها في التعليقات العنصرية والمعادية للأجانب، أجابت بغير تردد: «لديّ مشاعر سلبية ضد الأجانب، لا كراهية ولا خوف». وبعد أن نشر الجنرالات خطابهم الموجه إلى ماكرون، اتبعت لوبان نهجاً أرادَت من خلاله الاحتفاظ ببؤرة أنصارها دون ترويع المزيد من الناخبين المعتدلين. وقالت إنها تتفق مع تحليل الجنرالات لمشكلات فرنسا، لكن الحل لتصاعد معدل الجريمة وانعدام الأمن يكمن في «مشروع سياسي يوافق عليه الفرنسيون». وأعلن أعضاء من حكومة ماكرون أن لوبان ليست مؤهلة للسباق على أي حال. وستفرض حملة الانتخاب الرئاسية الفرنسية القادمة مزيداً من التمحيص لنقاط ضعف لوبان المحتملة، بينما قد تتعزز مكانة ماكرون بفضل سرعة برنامج إعطاء اللقاحات. ومع إعطاء فرنسا حالياً ما يقرب من 400 ألف جرعة في اليوم، ربما يكون الرئيس مستعداً للبدء برسم خريطة للخروج من الإغلاق في الأيام القليلة المقبلة. ويتعين على لوبان إثبات قدرتها على إدارة ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. ورئيس فرنسا التالي سيرث بلاداً تضررت فيها الأسر والأنشطة الاقتصادية من جائحة فيروس كورونا ودين عام يقترب من 120% من الناتج المحلي الإجمالي. وستعود إلى قائمة الأولويات قضية إصلاح نظام التقاعد الفرنسي التي كان يواجهها ماكرون قبل «الجائحة». ويعترف حتى مستشاري لوبان بأنه يتعين عليها إقناع الناخبين بأن لديها خطة لمواجهة هذه التحديات. لكنّ حزبها يجد صعوبةً في العثور على الموارد الذي يحتاج إليها لرسم سياسية مفصلة. والبنوك الفرنسية تتردد في إقراض حزب مثقل بالديون، وكما يفتقر الحزب إلى خبراء للعمل في برنامجه. وذكر مسؤولون من حزبها «الجبهة الوطنية» أن أي شخص ينضم إلى فريقهم الاستشاري الاقتصادي يعرض نفسه للخطر بعد طرد شخص واحد على الأقل من شركة فرنسية كبيرة لإقدامه على هذا. وحين سئل أحد الوزراء في مطلع أبريل المنصرم عما إذا كان بوسع لوبان إلحاق الهزيمة بماكرون، تعجب الوزير وأعلن أن القوميين ليس لهم فرصة في الفوز، وأكد أن قيم المساواة والتقدم لها دور محوري في فرنسا. لكن كلام الوزير يلزمه الكثير من الحظ. ويعتقد حزب لوبان أنها ستفوز. ويرى جان بول جارو، العضو في البرلمان الأوروبي ومستشار لوبان في للقضايا القانونية، أنه أصبح مقتنعاً بأنها ستفوز بعد أن شاهدها في التلفزيون في مارس الماضي. ومضى يقول: «علينا أن نظهر أن حزبنا ليس حزب متعصبين ومتطرفين. التطور سيقودنا إلى الفوز». *صحفية متخصصة في الشأن الأوروبي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس