أعداء الأمس هم شركاء المفاوضات اليوم، والذين توصلوا لاتفاق يقضي بانسحاب عسكري لطرف من أراضي الطرف الآخر، ولكن المستقبل ينذر بمختلف السيناريوهات وجميعها لا تصب في مصلحة الشعب الأفغاني. فالولايات المتحدة الأميركية التي بدأت «الحرب على الإرهاب»، وتحديداً على تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» في أفغانستان قبل عشرين عاماً، جراء الهجمات الإرهابية على برج التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، بدأت رسمياً في الأول من مايو الحالي سحب قواتها من أفغانستان.
والجدير بالذكر أن تعداد القوات المسلحة الأميركية حالياً، قد انخفض إلى 4000 عسكري بعد أن بلغ 110000 عسكري في العام 2011، والتي أنفقت عليها الإدارة الأميركية منذ عام 2001، وحتى أواخر عام 2019 ما يناهز تريليون دولار تضمنت النفقات المباشرة على القوات المسلحة الأميركية، بجانب نفقات مشاريع إعادة إعمار المدن الأفغانية ونفقات استخدام القواعد العسكرية في باكستان، والتي تستخدمها الولايات المتحدة مركزاً لعملياتها في أفغانستان. وهنا تحدونا أربعة تساؤلات رئيسية، أولاها حول ماهية المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة الأميركية من التواجد العسكري في أفغانستان خلال العقدين الماضيين.
قبل عشرين عاماً، حددت واشنطن رسمياً هدفين رئيسيين من تدخلها العسكري في أفغانستان، وهما القضاء على أي مكان آمن لتنظيم «القاعدة» الإرهابي يستطيع من خلاله التخطيط والتدريب وتنفيذ هجمات إرهابية على الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، والهدف الثاني الإطاحة بنظام «طالبان» من سدة الحكم في كابول عقاباً على إيواء الإرهابيين وعدم التعاون مع المجتمع الدولي. وحسب التأكيدات الأميركية، فقد تم تحقيق الهدفين في صيف 2002، وذلك بالقضاء فعلياً على تنظيم «القاعدة» وتفتيت حركة «طالبان» إلى مكونات صغيرة مشتتة، ولكل منها أهدافها وقيادتها وأنشطتها التي تختلف عن الأخرى، والنتيجة كانت عدم تنفيذ أي هجوم إرهابي على الولايات المتحدة منذ العام 2001. وهنا ننتقل للتساؤل الثاني حول ماهية المكاسب التي حققتها أفغانستان خلال التواجد العسكري الأميركي. 
ونستطيع القول بأن الإدارة الأميركية، التي ركزت منذ عام 2002 على بناء حكومة مركزية قوية في كابول ومجتمع تعددي والقضاء على الفساد وبناء المؤسسات الديمقراطية، قد نجحت في محورين سياسيين مهمين: الأول، كان إقرار الدستور الأفغاني عام 2004، والثاني تنظيم أول انتخابات رئاسية في نفس العام ثم إجراء الانتخابات النيابية التي اختار بموجبها ستة ملايين مواطن أفغاني مجلسي الشعب والحكماء، إضافة إلى المجالس المحلية عام 2005. ولكن خلال الفترة من 2004 إلى الآن، نجد نجاح حركة «طالبان» في تجميع صفوفها وإعادة تنظيم قواتها، الأمر الذي ساعدها على السيطرة على ما يقارب من نصف مساحة أفغانستان والدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، بهدف الانسحاب العسكري الأميركي مقابل أن تضمن «طالبان» عدم قيام أي جماعات إرهابية بأنشطة تهدد المجتمع الدولي انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، بجانب تعهد «طالبان» بالمشاركة في حوار وطني حول مستقبل النظام السياسي ووقف إطلاق النار مع الحكومة في كابول. 
وهنا ننتقل إلى التساؤل الثالث: هل ستستمر المكاسب التي حققها التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان بعد الانسحاب في شهر سبتمبر القادم. والإجابة تأتي على لسان الرئيس الأميركي «جو بايدن»، الذي أصدر قراره بإنهاء الوجود العسكري في أفغانستان بحلول 11/ 9 من العام الحالي بصرف النظر عن تحقيق أي تقدم في مشاركة «طالبان» في الحوار الوطني أو إيقاف الهجمات العسكرية للحركة ضد القوات الحكومية. والنتيجة هي التساؤل الرابع حول المستقبل الذي ينتظر أفغانستان بعد الانسحاب العسكري الأميركي. 

* باحث إماراتي