لم أنشغل كثيراً بالإساءة إلى أهل الخليج من شخص لا يستحق حتى ذكر اسمه وإن كان يحمل حقيبة وزارية. وحسناً كان تنصل قيادة البلد الذي ينتمي إليه، مما قال ومن ثم إجباره على الاستقالة، وإنْ كان وأمثاله بارعين في الكذب، فلنكن نحن أكثر براعة حين نمثّل بأنّنا نصدقهم كما قال «ديستوفيسكي» والكبار دوماً لا يلتفتون لما يقول السفهاء من لغو لا يُسمن ولا يُغني من جوع، والكبار أيضاً لا يعيرون الاهتمام، لكل من يحاول إهالة التراب على الشواهد والأمثلة الحية التي تُقدم إليه من مساعدة وخير.
ما سبق يقودني إلى القضية الفلسطينية التي يتاجر بها كثير من المعنيين وغير المعنيين، فما جرى ويجري من أحداث عنف في فلسطين لا يبدو أن له نهاية في الوقت الراهن على الأقل. فقد تابعنا منذ بداية شهر رمضان أياماً عصيبة ولحظات قاسية جراء ما شهدته مدينة القدس، بالتحديد حي الشيخ جرّاح، وكذلك المسجد الأقصى ومحيطه، ومن ثم قطاع غزة، ولعل ما بثته القنوات الفضائية من مشاهد دامية ومؤسفة، وما نقلته من وسائل الإعلام من أخبار مؤسفة كافٍ لأن أقول إن الشعب الفلسطيني هو وحده الضحية في كل ما حدث ويحدث.
وكعادتي لا أحب الدخول في الجدال العقيم، كما أحرص على قول كلمتي وإعلان موقفي بوضوح ودون مراوغة، لكن بعد أن ينقشع الغبار، وتهدأ الأحداث الساخنة، وتتوقف التشنجات، ويتلاشى أثر المواقف المبنية على «العواطف» وعلى الدموع «الكاذبة» التي تهدف إلى استدرار التعاطف، والذي ليست بحاجة إليه قضية كقضية فلسطين، خصوصاً وأن من يعمد إلى كل ذلك يهدف إلى تحقيق مآرب أفراد وجماعات محسوبة على قوى خارجية، فيما أفراد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وبمختلف أعمارهم، هم الذين يتكلفون صبيحة كل يوم بدفع الثمن على يد الإسرائيليين، سواء بإزهاق أرواح البعض، أو بإصابة بعضهم الآخر بجروح، وكذلك بسجن سواهم.
وبعيداً عن الاتهامات التي نُرمى بها كإماراتيين وهي في حقيقة الأمر لا تشكّل شيئاً بالنسبة لنا، فإننا نؤازر القضية الفلسطينية، وهذا موقف أصيل لدينا، والعرب وسواهم يعرفون أن الإمارات لم تتوانَ عن دعم فلسطين والشعب الفلسطيني، ويشهد بذلك التاريخ والدول والمنظمات وحتى الفلسطينين أنفسهم، وبالتالي فإن محاولات تشويه دور الإمارات تبقى مجرد أفعال مشبوهة، وهي لن توقفنا عن مساعينا.
منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأحداث الأخيرة في القدس، تحركت الإمارات على أكثر من صعيد وعلى أعلى المستويات، كما أعلنت عن موقف واضح وداعم للحق الفلسطيني، وهو ما يندرج في إطار جهودها المستمرة للوصول إلى حلول موضوعية ومنطقية ومستدامة. وما استضافة أبوظبي للمؤتمر الطارئ لاتحاد البرلمانيين العرب - الذي عُقد افتراضياً – إلا جزءاً من كلّ، حيث أكدت الإمارات خلاله دعمها التاريخي والمتواصل للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، كما دعت على لسان معالي صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي إلى ضمان حقوق الشعب الفلسطيني وحماية مقدساته، وضرورة عدم انتهاك حرمة الأقصى المبارك، إلى جانب وجوب حقن دماء الأبرياء.
إن مواقف الإمارات مشهودة، ونحن كإماراتيين لا ننتظر شهادة براءة ذمة من أحد، كما لا نعتبر في وقوفنا مع الشعب الفلسطيني منّة عليهم، بل هو واجب يمليه علينا ضميرنا، وتقودنا إليه عروبتنا وإنسانيتنا، وستظل الإمارات نصيرة للقضية فلسطين باعتبارها القضية العربية الأولى، بعيداً عن التجييش على حساب الدم الفلسطيني، لأن همنا الأول والأخير هو حفظ هذا الدم، وحماية حقوق الفلسطينيين التاريخية في أرضهم ومقدساتهم ودولتهم المشروعة.