في 12 فبراير الماضي، أقرت ولاية ماريلاند ضريبة إعلان رقمية موجهة تحديداً لشركات التكنولوجيا الكبرى في أول ضريبة من هذا النوع في الولايات المتحدة. وهذه الضريبة لمست وتراً حساساً بشكل خاص في عام شهد جني شركات التكنولوجيا أرباحاً قياسية، بينما عانى جانب كبير من العالم خسائر كبيرة.

وكتب السيناتور «الديمقراطي» بيل فيرجوسون على صفحته في «فيسبوك»، وهو من المدافعين الكبار عن الضريبة الجديدة، يقول: «في وقت تتأثر فيه ميزانية ماريلاند بأرقام فلكية وبوسائل غير متوقعة بسبب كوفيد-19، يمكن أن تدفع أسر وأنشطة ماريلاند الاقتصادية الكلفة، أو قد تبدأ شركات التكنولوجيا الكبرى في تحمل نصيبها العادل». 
والعام الماضي، أصبحت يُنظر إلى الشركات الكبيرة، مثل «آبل وفيسبوك وجوجل وأمازون»، بأنها من الرابحين من الجائحة التي نقلت جانباً كبيراً من الحياة إلى عالم الإنترنت وضغطت على الميزانيات الحكومية. وهذا يأتي بالإضافة إلى شكاوى قائمة منذ فترة طويلة من عدم دفع الشركات الناجحة نصيبها العادل من ضرائب الشركات. ومن ثم، يعلو صوت سؤال: أيجب على شركات التكنولوجيا الرابحة المساهمة بالمزيد للصالح العام؟ 
وتضاف ضريبة ماريلاند إلى عشرات التشريعات حول العالم التي سنت قوانين أو اقترحت مبادرات مشابهة، والقائمة يُضاف إليها المزيد.

وتحظى «ضرائب الخدمات الرقمية» بتأييد شعبي وتحصد عائدات مطلوبة بشدة وتُخضع عمالقة التكنولوجيا للمحاسبة فيما يبدو. لكن خبراء تمويل يجادلون بأن فرض الضرائب من كل ولاية أو دولة بشكل منفرد، ليس نهجاً مثالياً، وربما يكون ضاراً. والتعاون الدولي ربما يقدم حلا أكثر استدامة وفعالية. 
وللضرائب على التجارة عبر الإنترنت عدة صور وأحجام، لكن أكثرها شيوعاً هو ضريبة الخدمات الرقمية على العائدات الإجمالية لأنشطة معينة.

والضرائب تتراوح عادة بين 1% و10% وتستهدف الشركات التي تحقق مستوى معيناً من العائدات وهي شركات التكنولوجيا الكبرى. ويجادل مؤيدون أن الضرائب تسمح للدول بالمطالبة بنصيب عادل من العائدات على الأنشطة التي تُمارس داخل حدود بلد ما. وتقليدياً، تدفع الشركات متعددة الجنسيات ضرائب في المكان الذي يجري فيه النشاط الاقتصادي وليس في المكان الذي يعيش فيه المستهلكون. لكن الشركات الرقمية تحصد عائدات من حول العالم. ويستطيع شخص ما في فرنسا، على سبيل المثال، إنتاج محتوى أصلي ونشره على فيسبوك أو كتابة تقييم على أمازون، مما يساهم في عائدات الشركة. ومن منظور فرنسا، يجب أن تصبح العائدات هدفاً مشروعاً لفرض ضريبة. 

بالنسبة للجمهور العام، تمثل عائدات الضرائب شيئاً ملموساً. وعلى سبيل المثال، تعهدت ماريلاند بضخ الضرائب التي ستجمعها والبالغة 250 مليون دولار لصالح المدارس العامة. لكن منتقدين يرون عدة آثار اقتصادية سلبية مثل تداخل الضرائب المختلفة على الشركات متعددة الجنسية، بالإضافة إلى احتمال زيادة الأسعار على المستهلكين والأنشطة الاقتصادية الصغيرة. فقد يجد عملاء شركات التكنولوجيا الكبيرة أنفسهم، في نهاية المطاف، قد تحملوا كلفة الضرائب. ويؤكد «توماس تورسلوف»، الباحث الاقتصادي البارز في مركز «كراكا» البحثي الدنماركي، أن هذه ليست الضريبة الملائمة وليست «وسيلة جيدة بشكل خاص لزيادة العائدات». 
والضرائب تذكي أيضاً الخصومة الدولية. فقد اعتبرت الولايات المتحدة العام الماضي أن ضرائب الخدمات الرقمية متحيزة ضد الشركات الأميركية، وهددت بالرد على الدول التي تفرض هذه الضرائب. ويرى بعض خبراء التمويل أن المطلوب بالضبط هو الحوار والتنسيق الدوليين. ويرون أن نظام الضرائب الحالي مازال ينتمي للرؤية التقليدية للاقتصاد العالمي ولا يجيد رصد الدخل في المكان الذي يتحقق فيه في العصر الرقمي. 

وترى «ليليان فاولهابر»، أستاذ القانون في جامعة جورجتاون، أن «النماذج الاقتصادية للشركات متعددة الجنسية مختلفة للغاية فحسب عما وُضعت أنظمة الضرائب لمعالجته».
وأشار «تورسلوف» إلى أن الشركات الكبيرة تنتهز عدم الاتساق بالعثور على وسائل لنقل الأرباح إلى الخارج وتقليص ضرائبها في الداخل. ويؤكد «تورسلوف» أن هذا هو سبب شعبية ضرائب الخدمات الرقمية التي يرى أنها لافتة سياسية لاسترضاء الناخبين المحبطين. فهذه الضرائب تستجيب للقلق من عدم دفع الشركات نصيبها العادل من الضرائب. ويرى «تورسلوف» أن «ضريبة الخدمات الرقمية تلك وسيلة ملموسة للغاية» لإثبات أن «جوجل» و«فيسبوك»، على سبيل المثال، تدفعان ضرائب عادلة بالفعل. لكن «تورسلوف» يعتقد أن التعاون الدولي، وليس تقليص الضرائب الرقمية، «ربما يكون الوسيلة الوحيدة لحل المشكلة الأساسية» المتعلقة بتهرب الشركات الكبيرة من الضرائب. 
وحذرت «فاولهابر» وخبراء آخرون من أنه دون إصلاح جوهري للنظام الدولي، ربما تؤدي ضرائب الخدمات الرقمية إلى حرب تجارية. فالأمر يبدو كما لو أن كل ضريبة رقمية جديدة على امتداد العالم تمثل دليلاً على تنامي التشرذم والخصومة، وسعي كل بلد لجمع العائدات التي تريد. لكن التوجه إلى فرض ضريبة رقمية يمثل دليلاً على المخاوف المشتركة التي تحتاج إلى حلول مشتركة. 
وتعمل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي مع 139 دولة في خطة من جزأين من شأنها جعل ضرائب الخدمات الرقمية غير مطلوبة. والجزء الأول من الخطة يغير مكان حقوق فرض الضرائب، بجعل قوانين الضرائب أقل اعتماداً على الوجود المادي وهي قضية مهمة لمعالجة الطبيعة الرقمية للاقتصاد. والجزء الثاني يتألف من ضريبة حد أدنى عالمية على الشركات، مما يجعل التهرب الضريبي أصعب على الشركات الكبيرة. 
وبعض الدول تريد الجزء الأول فقط والأخرى تريد الجزء الثاني فقط، لكن المنظمة أوضحت بجلاء أن الاتفاق النهائي سيتضمن كلا الجزأين وهي استراتيجية واعدة، بحسب وصف فاولهابر. وفي الخامس من أبريل الماضي، أعلنت «جانيت يلين»، وزيرة الخزانة الأميركية، دعمها لضريبة الحد الأدنى العالمية على الشركات. صحيح أن وزير الخزانة الأميركي السابق، انسحب من المحادثات الصيف الماضي، لكن تعهد يلين بالمشاركة في المفاوضات الدولية أشعل التفاؤل في احتمال توصل المنظمة لاتفاق بحلول يوليو المقبل. وترى «فاولهابر» أن الدول منفردة لا تستطيع إصلاح المشكلة فعلاً، «لأننا في عالم مترابط حقاً». وتأمل أن يحقق نهج دولي منسق الرغبة الدولية في الإصلاح، وتؤكد «لن نعود إلى الحال الراهن».

 

*صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»