قبل أسابيع ذكرت في أحد المقالات عن الشيخ حمدان بن راشد، رحمه الله، كيف أننا فقدنا مجلسه بعد وفاته، واطلعت على التوجس ذاته في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من عدم عودة مجلسه للالتقاء مجدداً بجمهور المواطنين.
وقدر الله أن ألتقي بأحد أفراد الحرس الشخصي من حراسه في يوم من أيام شهر رمضان المبارك. فبشرني بعودة مجلس الشيخ حمدان للانعقاد والاستمرار في مواصلة عطائه.
لقد اقتنع أنجال الشيخ حمدان، الشيوخ الأكارم راشد ومكتوم وسعيد، بضرورة تواصل الأجيال بين الآباء والأبناء وفق نظرية الأواني المستطرقة الاجتماعية التي تحافظ على تراث الأجيال بما يحمله من بعد ثقافي وحضاري. ولم تسعني الفرحة عند أول فرصة لزيارة هذا المجلس العريق في ثرائه الوطني، خارج إطار الرسميات والبروتوكولات التي تقيد الأفراد في البوح أمام الحاكم في مجلسه وبين يديه وفي أرقى مراتب الإخلاص والوفاء والولاء لهذا الوطن الذي يزداد قوة مع عمق الزمان. 
سأحاول تلخيص ما دار في هذا المجلس من الأحاديث بين الشيخ راشد بن حمدان ورفقاء والده الذين لم يتخلفوا عن حضور المجلس. 
البداية كان الحديث مع صاحب لوالده لم يفارقه حتى ساعة الرحيل المقدر، عندما سأله الشيخ راشد بن حمدان: «ما تولهت عالسفر»؟ ودي طال عمرك بس الدولة اللي أبا أسافر لها أوضاعها صعبة هالايام بسبب زيادة حالات «كورونا» فيها، وين تبا تسافر؟ فقال: الهند طال عمرك. 
استدرك الشيخ راشد على الحديث مكملاً: كان والدي رحمه الله على سفر، فلمح في وجه أحد أصحابه وجوماً وضيقاً وكدراً لمدة ثلاثة أيام من وصولهم فقال له: «شبلاك من يينا وانت مويم».
قال: طويل العمر هاي البلاد ماتناسبني أبا أسافر«بمبي»، هواي هناك، قال: لك ذلك. فتركه يسافر إلى وجهته لأيام ثم عاد ليكمل الرحلة مع الركب الكريم.
هذه المراعاة النفسية لمرافقيه من الخواص، تدل على خلق سام ومقام رفيع، رغم أن السفر مع الشيخ حمدان إلى أي مكان يعتبر غنيمة لا يمكن التفريط بها.
جلس بجانبي أحد أفراد حرسه الخاص قائلاً: كنا معه في رحلات القنص كفرد عادي نمشي معه دون حواجز من حمولات الحكم وشواغله ومسؤولياته الجسيمة، كنا معه كإخوة وأحبة وأصحاب، ولم نشعر يوماً بأننا موظفون عنده في الحراسة، وهو ما نفتقده كثيراً بعد رحيله ومن الصعب نسيانه. 
قلت له: إذا كان هذا شعورك وأنت ملازم للشيخ حمدان، رحمه الله، على مدار الساعة في السفر والحضر، فاسمع إذا لإمام مسجد سوق السمك في بر ديرة وهو يصف شعوره عن فقده للشيخ حمدان، لقد كان الحزن يعجزه عن الكلام وعن التعبير، وقد رأيته مرات عديدة في حضرة الشيخ حمدان.
علما بأن هذا الإمام من دولة توجو، حيث أشار إلى أن الشيخ لم يتوان عن إكرام أصحاب الحاجة في بلدي دائماً، وحتى عندما احتاج مسجدي هذا إلى صيانة عاجلة، فقد بادر الشيخ حمدان لتلبية هذا الطلب والانتهاء من الأعمال كلها في مدة قياسية وفق المقاييس الهندسية.
هذا الشعور الدافئ والمتبادل بين من رآه مرة أو تعامل معه على مدار الساعة، ينم عن قرب القلوب ولو تباعدت الدروب لأسباب معينه، فالصدق في البوح لا يحتاج إلى دليل مادي فالكل يجمع على هذه الحقيقة.
ثم وجه الشيخ راشد حديثه إلى أحد وزراء الصحة السابقين للسؤال عن جائحة هذا العصر وانتشار بعض الفيديوهات التي توضح بعض البروتوكولات الغريبة في أخذ لقاح «كوفيد 19». وأخيراً دار حديث تحليلي حول نتائج دوري كرة القدم الذي جرى على مختلف ملاعب إمارات الدولة. فعلاً كان الشيخ راشد بن حمدان في المجلس، صورة صادقة في مرآة أبيه رحمه الله.
* كاتب إماراتي