احتفل الأميركيون في الأيام القليلة الماضية بذكرى جنود الاتحاد الذين استشهدوا في القتال ضد الولايات الانفصالية في الحرب الأهلية الأميركية. والاحتفال يعقد دائماً في آخر يوم اثنين من مايو، ولذا يرتبط أيضاً بالبداية غير الرسمية لفصل الصيف. وقد واكب الاحتفال بالذكرى، هذا العام، التخفيف واسع النطاق للقيود التي فُرضت أثناء جائحة فيروس كورونا على التجمعات والمناسبات. فقد توقفت ولايات كثيرة الآن عن الالتزام بارتداء الكمامات في معظم الأنشطة. وأدى هذا أيضاً إلى تصاعد في حجز تذاكر الطيران والمباريات الرياضية في الملاعب المفتوحة. كما بدأت إعادة فتح قاعات الحفلات والعروض المسرحية، ويتوقع اقتراب البلاد من الأوضاع الطبيعية بحلول ذكرى يوم الاستقلال في الرابع من يوليو المقبل. 
وبالطبع، فإن حالة الحيوية تلك ستتوقف إذا ظهرت حالات تفشٍ أخرى لمرض «كوفيد-19» أو لوحظ ظهور سلالات جديدة من الفيروس. لكن الأمل معقود على تلقي عدد كافٍ من الناس اللقاحات، مما يساعد في احتواء التأثيرات. وقد بدأ الأميركيون الآن في إنفاق المال الذي ادخروه أو حصلوا عليه من برامج الإغاثة الحكومية. ويقدر معدل النمو المتوقع للاقتصاد في الربع الثاني من عام 2021 بنحو 8.6%، وهو معدل مرتفع للغاية، لم يكن أحد يعتقد إمكانية تحقيقه في بداية العام. والبعض قلقون من أن حيوية الاقتصاد الزائدة قد تسبب في موجة جديدة من التضخم، مما يتطلب تدخلاً من الاحتياط الفيدرالي لزيادة سعر الفائدة الاستثنائي الانخفاض منذ ركود عام 2008. 
ومن الواضح أن معظم الناس يتوقون إلى استئناف الأنشطة المعتادة، بما في ذلك العمل والترفيه.. فهم يريدون إرسال أولادهم إلى معسكرات الصيف وزيارة الأقارب الذين لم يرونهم منذ أكثر من 15 شهراً. لكن الأقل وضوحاً هو مقدار نسبة قوة العمل التي ستعود إلى الوظائف منخفضة الأجور أو تلك الوظائف التي تتطلب انتقالات يومية إلى المكاتب. وبعض العمال في وظائف منخفضة الأجر وجدوا أنه من الأفضل الاعتماد على إعانات البطالة أطول مدة ممكنة لأن الفارق طفيف بين أجور الوظائف ضعيفة الأجر والإعانات. ولجذب هؤلاء ثانية إلى العمل، يتعين على الشركات تقديم أجور أعلى.
والأشخاص الذين أنفقوا فترة الجائحة وهم يعملون من المنزل وجدوا أنهم ينتجون القدر نفسه من العمل عند ما كانوا ينتقلون إلى المكاتب، وكان يتعين عليهم دفع كلفة المواصلات وتكبد عناء حركة السير والسفر كل يوم. وأعلنت الحكومة الاتحادية الأميركية أنها ستكون أكثر مرونة بشأن العمل عن بُعد. وفي نهاية المطاف، سيكون لتداعيات الجائحة تأثيرات كبيرة على الطريقة التي نعمل بها، بما في ذلك استغلال مساحات المكاتب. ومع تقلص الطلب على المكاتب في المدن ووجود مساحات شاغرة يمكن تحويلها إلى شقق سكنية ميسورة الكلفة لمن انتقلوا خارج المدن بسبب الكلفة الكبيرة للإيجار. والكلفة الأقل قد تجتذب بعض الأسر للعودة إلى الإقامة في المدن وقد تجعل التجمعات السكانية الحضرية غير منقسمة إلى جماعتين فحسب، من فاحشي الثراء ومدقعي الفقر. 
وتشير هذه التوجهات وغيرها إلى أن نهاية الجائحة لا تعني «العودة إلى الوضع الطبيعي». فبعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم تعد الولايات المتحدة إلى الوضع الطبيعي. فقد أجريت تغيرات كبيرة في إدارة الأمن القومي، بما في ذلك إقامة وكالة حكومية جديدة، هي وزارة الأمن الداخلي التي تمثل جهازاً بيروقراطياً هائلاً يعمل فيه ربع مليون موظف. وكان من بين التأثيرات التغير الكبير في قواعد السفر الجوي، مع تطبيق قواعد أمنية مشددة لم تكن تخطر ببال أحد قبل الهجمات. 
ومنذ تفشي «كوفيد-19»، اضطرت كل دولة إلى إعادة تقييم الطريقة التي توفر بها الرعاية الصحية لمواطنيها. وليس لدى الولايات المتحدة نظام قومي للرعاية الصحية، لكن منذ الآن ستتزايد الضغوط لإقامة نظام صحي موحد أكثر تماسكاً. ولا مفر من قيام جدل سياسي محتدم، لكن العودة إلى واقع الحال الراهن لم يعد مقبولاً لدى كثير من الأميركيين. 


*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست»