استدامة نموذج (الدولة الثورة) في إيران قائمة على مبدأين، أولهما تماثل الندية عبر العداء للولايات المتحدة، واعتراف الأخيرة بذلك. أما ثانياً، إقرار المجتمع الدولي بالاستحقاقات التاريخية للمظلومية الشيعية، وحق إيران في ممارسة حق الوصاية الروحية العابرة للحدود. وقد مُكنت وتمكنت الجمهورية من ذلك عبر مفاضلات سياسيةٍ عدة، وأهمها إدراك قيمة جغرافيتها السياسية في معادلة التزاحم الجيواستراتيجي، وتوظيفها أدوات القوة الإقليمية.
والانتخابات الرئاسية الإيرانية هي جزء أصيل في منظومة أدوات التمكين أو المرايا الخادعة، لذلك لم يتحرج المرشد خامنئي في التراجع ولو أدبياً عن دعم قرار «مجلس صيانة الدستور»، في إقصائه مجموعة من المترشحين، وعلى رأسهم علي لاريجاني وأحمدي نجاد، وكذلك كان عدم اعتراضه تمسك المجلس بقراره.
وقد يمثل ما سبق جزءاً من أدوات المرشد في تمكين مرشحه المفضل إبراهيم رئيسي، خصوصاً وأن الجمهورية مقبلة على استحقاقات المفاوضات حول ملفاتها الاستراتيجية في فيينا. وما رشح من معلومات تبدو «مسربة» عن عمد من قبل الإدارة الأميركية لموقع بوليتكو Politico بتاريخ الرابع من يونيو الجاري، حول «اقناع طهران بقبول إدراج برنامجها الصاروخي، وسلوكها الإقليمي» ضمن أجندة مفاوضات فيينا، إنْ هي قبلت بالعودة إلى منظومة التفتيش التي اتفق عليها سابقا، وكذلك الالتزام بمواصفات أجهزة الطرد المركزي التي سبق الموافقة عليها في اتفاق 2015. ما سبق يبدو على أنها رسائل طمئنة مباشرة للمرشد، وعن رغبة جادة لدى إدارة بايدن في احتواء إيران إقليمياً خصوصاً بعد تصعيدها في العراق، ومهادنتها في أفغانستان خلال تنفيذ عملية انسحاب القوات الأميركية من هناك، ذلك بالإضافة إلى ما قد يقرأ احتواء في غزة.
تزامن تراجع المرشد عن دعم قرار مجلس صيانة الدستور دون إلزامه بتنفيذ ذلك، مع ما نشره موقع «بوليتكو»، يمثل نوعاً من رسائل الطمأنة لإدارة الرئيس بايدن، ولو أدبياً إلى حين التوصل إلى صيغة اتفاق نهائي، على أن يشمل رفع جميع العقوبات، واستمرار الاعتراف الضمني بحق إيران بالتواجد في ما تعتبره هي عمقها الاستراتيجي.
ضمانة ما سبق من استحقاقات هو التحد الأكبر الذي تواجهه «الدولة الثورة»، خصوصاً مع ما تعانيه من هشاشة اجتماعية واقتصادية، لذلك تمثل فيينا مرحلة مفصلية. إلا أنها لن تعجز في توظيف التطورات الأخيرة في غزة سياسياً ضمن ما يُعرف بالاستنزاف المتبادل غير القابل للاستدامة. إلا أن ذلك عكس ما يراه المرشد، لأنها تحدث خارج حدود الجمهورية.
آخر التحديات الوجودية للنظام، هو انهياره التام داخلياً، لذلك تمثل هذه الجولة من الانتخابات الرئاسية محطة أخرى من المحطات المفصلية وطنياً. وفي حال حدثت المقاطعة الجماهيرية للانتخابات، فإنه سيعجز عن إجبار الجماهير بالقوة، مما سوف يمثل سقوطه السياسي وجدانياً. وفي حال خرج الإيرانيون للاحتجاج كما حدث في عام 2009، فإن النظام سيواجه من قِبل تلك الجماهير بأكثر من المسيرات الاحتجاجية.


* كاتب بحريني