«إذا تحولت إلى تمساح، فتلك مشكلتك»، كان ذلك تحذير الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو من إقدام مواطنيه على أخذ أحد اللقاحات المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية، بل أردف قائلاً: «إنْ تحول أحدكم إلى سوبرمان، أو ظهرت لحى للنساء، أو تحدث الرجال بصوت نساء، فلا علاقة لهم بذلك»، في إشارة لتآمر الشركات المنتجة للقاحات من رجال الظل في المؤامرة الكونية الكبرى.
صدى تلك التحذيرات شعبياً بدأت تظهر في مجتمعاتنا بشكل تدريجي، وبأكثر من شكل، من التآمر على الإسلام إلى التآمر على العرب، وصولاً للتآمر على الطوائف. المحزن أن دولنا تنفق الملايين في تدريب وتأهيل كوادرنا الوطنية في شتى المجالات. إلا أن تأثير أحد المعممين من مشايخ الطوائف أوقع تأثيراً من وزير صحة، أو طبيب مختص في الأوبئة. ويجب ألا نلوم من يحاول الاستثمار في هذه الحالة من الارتباك الظاهر مثل التيارات السياسية، المُتأسلم منها أو سواها، فغياب الحزم في مثل هذه الأمور يعد مدخلاً لها.

عندما تصدر فتوى بعدم أخذ اللقاح من دعيٍّ لا يحمل أي مؤهل علمي، وكل ما يحوز هو عمامة من حوزة، أو شهادة تلمذة على يد الشيخ فلان، وتطاع من قبل مجموعات من تابعيهم تعمل في قطاعات الخدمات الصحية والخطوط الأمامية، فعن أي حصانة قطيع نحن نبحث دولاً ومجتمعات، فهؤلاء يمثلون تحدياً لإرادة المجتمع والدولة. ومفهومهم لحصانة القطيع طائفياً أو أيديولوجيا، هو ليس خطأ منهم، بل نتيجة فلسفة احتواء الجائحة بعد توفر اللقاحات.
عندما تُحجم مجموعة تعمل ضمن الخطوط الأمامية في مواجهة الجائحة عن أخذ أحد اللقاحات الموفرة مجانياً من قبل دولنا، فما هو الموقف من مثل هؤلاء؟ وهل يجب القبول بتحويل هذا الأمر إلى مسألة جدلية، في حين هي خيانة لعهود المهنة إنسانياً؟ ألا يكفي نموذجا الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن تحول الأمر إلى مثل ذلك، لتذكرنا أعداد الوفيات اليومية بما هو أسوأ من تاريخ تفشي الطاعون الأسود؟

هناك متسع للجدل عندما لا يتعلق الأمر بأمن الدول ومجتمعاتها، وضرورة تجاوز الجائحة اليوم ليس ترفاً سياسياً، بل هو تحد يجب ألا نشيح عنه بأنظارنا. وإنْ كان هناك من يشكك في قيمة منظومة الوقاية وتجاوز الجائحة ليتقدم لنا بمشروع بديل، على أن يوفر المثال المادي المحسوس والملموس على نجاح ذلك البديل شرقاً أو غرباً. أما مشايخ الإفتاء في البطيخ وأمثالهم من شيوخ الطوائف، فلا مكان لهم أو أتباعهم من القطعان في احتواء الأزمات أو إدارتها. وقبول استمرارهم ضمن الخطوط الأولى يضر بالجهد الوطني.
إنْ كانت الجائحة جزءاً من مؤامرة من عدمها، ليس هو ما يجب أن يعنينا الآن، والأولوية الآن الخروج منها، لا الجدل في تفاصيلها، واللقاحات أجدى من الانصياع لفتاوى مشايخ الفول والبطيخ ومن لف لفهم. وإن قرر هؤلاء غير ذلك، ليعتزلونا مع حرمانهم من الخدمات والرواتب. 

*كاتب بحريني